ذات صلة

جمع

صراع الجيوب.. كيف مزقت الخلافات المالية أوصال الإخوان؟

في خضم الصراعات الداخلية المتواصلة التي تمزق جماعة الإخوان...

منع الإيرانيين في سوريا.. هل بدأت دمشق ترسم حدود النفوذ؟

في خطوة مفاجئة، أفادت مصادر في مطار دمشق الدولي،...

بعد اتفاق غزة.. الجيش الإسرائيلي يُنفذ تغييرات تاريخية في صفوفه

بعد الإعلان عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في...

هل ارتكب الحوثيون خطأً استراتيجيًا وأصبحوا في ورطة داخل اليمن؟

‏‏مع الضربات الجوية المتبادلة مؤخرًا، قد يكون الحوثيون في...

بعد ظهور خطوات جادة لإنهاء الأزمة.. ما فرص التسوية السياسية في ليبيا؟

يشهد الوضع السياسي في ليبيا تعقيدًا متصاعدًا بسبب الخلافات الكبيرة بين الفرقاء السياسيين، والتي أعاقت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ تعاني الدولة من أزمات سياسية وأمنية طاحنة منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي ما يهدد بشكل كبير المسار الديمقراطي الذي يتطلع إليه الشعب وتدعمه الجهود الأممية.

وتعتبر أهم الأسباب المعرقلة لآمال الشعب الليبي هي تلك الانقسامات السياسية الحادة بين مختلف طوائف الشعب، والانتشار الكثيف للجماعات المسلحة التي أصبح لها دور لا يمكن إنكاره في العملية السياسية، إلى جانب تعاظم دور التدخُّلات الدولية والإقليمية التي أطاحت في كثير من الأحيان بمبادرات المصالحة وتسوية الأزمة الليبية.

وفي دراسة تحليلة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، أوضحت أن المشهد السياسي والأمني بدأ يتعقد في ليبيا مرة أخرى عقب الفشل الذريع في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان مقرَّرًا إجراؤها في 24 ديسمبر 2021، مع الإخفاق في طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء العام، الذي تزامن مع رفض عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة الانتقالية الاستقالة؛ ما أدى إلى نشوب صراعات واسعة النطاق في العاصمة طرابلس في مارس وديسمبر 2022، وأدى كذلك إلى تجدد الخلافات السياسية مرة أخرى عندما قام البرلمان الليبي بتنحية الدبيبة وتعيين رئيسٍ جديدٍ للوزراء، هو فتحي باشاغا، الذي خلفه أسامة حماد. وهو الأمر الذي أعاد ليبيا إلى الوضع الذي كانت عليه بين عامي 2014 و2021، وخاصة في ظل وجود حكومتين تتنازعان السلطة.

ولعل من الأسباب الرئيسية لتصاعد حدة الصراع مرة أخرى في ليبيا هو تهميش بعض الجهات الفاعلة من المصالحات السياسية، مثل المشير خليفة حفتر أو الجماعات المسلحة المتمركزة داخل العاصمة طرابلس؛ ما زاد من حدة الاستقطاب، وأفشل العديد من مبادرات واتفاقيات السلام، التي لم تنجح فقط إلا في تحقيق سلام هشٍّ في بعض الفترات القصيرة.

كذلك، فمن بين الأمور التي أعاقت عملية الانتقال السياسي في ليبيا هو ذلك الدور الذي تلعبه التدخُّلات الدولية والإقليمية، التي همّشت بشكل منهجي أطر التفاوض الوطنية، بما يتوافق ويتناسب مع مصالحها الخاصة، علاوة على ضعف سلطات الحكم المركزي الموروثة من عهد العقيد معمر القذافي؛ ما أدى إلى تفاقم أزمة الشرعية.

هذا إلى جانب تعثُّر جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 2009 الصادر في 16 سبتمبر عام 2011، حيث تشير بعض التقارير إلى فشل جهود الوساطة التي قادتها البعثة بين القوى المتصارعة على السلطة، لمحاولتها أن تمارس الوصاية على المشهد السياسي الليبي، إضافة إلى تدخُّل القوى الدولية الكبرى في عملها، وقد أدى هذا إلى عدم قدرة البعثة على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في ديسمبر 2021.

وفيما يخض جهود تسوية الأزمة الحالية، ذكرت الدراسة أنه كانت هناك العديد من الجهود الدولية والإقليمية من أجل تسوية الأزمة السياسية الليبية، غير أن هذه الجهود جميعها لم تفلح في تحقيق ما كانت تصبو إليه؛ لذلك تجددت مرة أخرى المبادرات الرامية إلى وضع إطار يعجِّل بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في الداخل الليبي.

وكان من بين هذه المبادرات، تلك التي دعا إليها الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبو الغيط. فقد اجتمع أطراف الأزمة الليبية في القاهرة بتاريخ 10 مارس 2024، في مقر جامعة الدول العربية، وهم: رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالا، لبحث الأوضاع الداخلية والبت في المسألة المتعلقة بإمكانية تشكيل حكومة موحدة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والحقيقة، أن مخرجات هذا الاجتماع كانت أكثر مما هو متوقع – كما عبر عن ذلك السيد أحمد أبو الغيط – إذ أكد الأطراف في هذا الاجتماع على “سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ورفض أي تدخل أجنبي في شؤونها، وتوحيد المناصب السيادية بما يخدم الليبيين، وعَقْد جولة ثانية بشكل عاجل لتنفيذ ما تم التوصل إليه، ودعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمجتمع الدولي لدعم هذا التوافق في سبيل إنجاحه”.

ومن ناحية أخرى، تعكُف الأطراف السياسية الليبية على تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة منذ عام 2021. فقد أعلن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، انطلاق مشروع المصالحة الوطنية في 6 سبتمبر 2021، والذي على أثره تم إنشاء المفوضية الوطنية العليا للمصالحة في إبريل 2022، لتمهد الطريق للمصالحة من خلال العمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين. وقد كان إنشاء هذه المفوضية أحد مخرجات خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي في 5 فبراير 2022، هذا وقد تشكَّلت لجنة تحضيرية لمؤتمر المصالحة المزمع عقده في 28 إبريل 2024، وقد عقدت هذه اللجنة أربعة اجتماعات، كان آخرها الاجتماع العادي الرابع الذي عقدته في مدينة زوارة في يناير 2024.

وتظهر من ذلك وجود بوادر حقيقية لانفراج الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، وذلك في إطار الدعوة إلى المصالحة الليبية الشاملة والدائمة، تلك المصالحة التي تحظى بدعم كبير من أطراف الأزمة السياسية في ليبيا.

وتكشف تصريحات المسؤولين الرسميين عن الحاجة إلى دعم جهود المصالحة وإنهاء معاناة الشعب الليبي؛ فعبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا والمعترَف بها من قبل الأمم المتحدة، كان قد صرح على هامش فعاليات القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في دبي تحت شعار “استشراف حكومات المستقبل”، بأن حكومته ستكون آخر مرحلة انتقالية في ليبيا، وأنه سوف يتم الالتزام بالمسار الدستوري لإجراء الانتخابات. لكنَّ تحقيق المصالحة وتسوية الأزمة الليبية مرهون بالتغلب على العقبات الحالية، التي من بينها تشكيل حكومة مُوحَّدَة جديدة؛ لأن تشكيل هذه الحكومة هو الخطوة الأوَّلية نحو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. ولا يخفى أن هذا الأمر يتطلب تسوية الصراع الحالي بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وما يسمى “حكومة الاستقرار الوطني” برئاسة أسامة حماد المدعوم من البرلمان.

وأيضًا التوسط في اتفاق بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالا؛ بهدف الحفاظ على عمل اللجنة المشتركة “6+6” التي تضم ستة أعضاء من المجلسين لإعداد القوانين الانتخابية، حيث ما تزال هناك عقبات عديدة يتعين التغلب عليها، وخاصة فيما يتعلق بإقرار القوانين الانتخابية من قبل المجلس الأعلى للدولة، الذي يعارض تعيين مواطنين مزدوجي الجنسية وعسكريين في الحكومة الموحدة الجديدة.

وخلصت الدراسة إلى أن تسوية الأزمة السياسية الليبية أصبحت مرهونة في المقام الأول بوجود إرادة سياسية حقيقية لدى القادة السياسيين، أساسها ومبناها الخوفُ على وحدة ليبيا واستقلالها وسيادة أراضيها، وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والشخصية. فالشعب الليبي بات في حاجة ماسَّةٍ إلى تحقيق الاستقرار والأمن بعد سنوات طويلة عانى فيها من جرَّاء احتدام الفُرْقَة والتمزُّق الداخلي، وانتشار الميليشيات والجماعات المسلحة.

كما أن المصالحة الوطنية الليبية الشاملة، المزمع عقد مؤتمرها في 28 إبريل 2024، تمثل فرصة مواتية لجميع الأطراف الليبية؛ لكي تُنَحِّي خلافاتها جانبًا، لتحقق تطلعات الشعب الليبي المشروعة في الديمقراطية والسلام؛ ذلك أن فشل جهود المصالحة سوف يؤجج الصراع ويزيد من حدته، ما قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.

spot_img