أزمات تشهدها دولة ليبيا مؤخرًا، وبعدما كانت تعاني الدولة من خلافات سياسية، وصل الأمر إلى أن تتحول الدولة الغنية بالنفط، إلى دولة بها معاناة اقتصادية كبرى، حيث تكدس الليبيون في طوابير طويلة أمام البنوك في العاصمة طرابلس ومدن أخرى في أول أيام شهر رمضان بالبلاد، حيث لم يتمكنوا من صرف “الصكوك” مع وجود نقص حاد في السيولة النقدية.
أزمة السيولة مستمرة منذ 3 أشهر، ولكنها زادت تأثيرًا على المواطنين خصوصًا مع حلول شهر رمضان، فهم يحتاجون الأموال بشكل عاجل لينفقوا على مشترياتهم، في ظل توقعات بارتفاع سعر الدولار في حال فرض ضريبة بنسبة 27% على النقد الأجنبي.
سعر الدولار الذي هو الآن 4.84 دينار سيصبح 6.15 دينار بعد فرض الضريبة، مع ملاحظة أن هذا السعر غير ثابت حتى إذا كانت الضريبة ثابتة، لأن الدينار مثبت بشكل مباشر بوحدات حقوق السحب الخاصة وليس بوحدات الدولار وإنما يرتبط الدينار بالدولار وببقية العملات بطريقة غير مباشرة.
حقيقة إدراك المتعاملين لعواقب تخفيض قيمة الدينار التي يمهد لها المصرف المركزي، عن قصد أو عن غير قصد، سوف يزيد من حدة الأزمة ويفاقمها لتشمل المنظومة المصرفية برمتها، مع توقعات بأن تحل هذه الأزمة وتعود الثقة إلا بإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي ومرور فترة كافية من الزمن لإثبات حسن إدارة المجلس الجديد للنظام النقدي الليبي، كما إن مجلس الإدارة الجديد يجب أن يتكون من أشخاص ذوي ثقة وأهل علم وخبره وإخلاص ووطنية وأصحاب التزام إداري وقانوني ولديهم رؤية وبعد نظر اقتصادي.
يشار إلى أن تخفيض قيمة العملة الوطنية يجب ألا تلجأ له الدولة إلا في ظل عجز مزمن في ميزان المدفوعات وأن العجز المؤقت لا ينبغي أن يقود إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية، العجز في استخدامات النقد الأجنبي خلال العام 2023 كان في حدود مليار دولار فقط وهو أقل من 5% من استخدامات النقد الأجنبي خلال العام، كما أن محصلة السنوات 2021-2023 كانت فائضاً في ميزان المدفوعات، وبالتالي فقد أضحى جلياً أنه لا يوجد أي مبرر اقتصادي للقيام بفرض رسم أو ضريبة أو تخفيض قيمة الدينار وأن المشكلة في جوهرها لا تعدو سوء إدارة للنقد الأجنبي خلال الأشهر الستة الماضية ناجمة عن عدم القدرة على تفهم النظريات الاقتصادية وتطبيقاتها في مثل هذه الأحوال التي تمر بها ليبيا.