زادت الحرب السودانية من أزمات ومعاناة الشعب، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، إذ أصبحن يعانين من العنف الجنسي والاغتصاب وزواج القاصرات، جراء الأوضاع الكارثية التي خلفتها على نحو قد يدفع إلى إحداث تغيير في تركيبة أسر ذات طابع اجتماعي محافظ، ودفعت الحاجة إلى حماية الفتيات من العنف الجنسي المتصل بالنزاع المسلح بعض العائلات إلى تزويج بناتهن ليصبحن ضحايا صاغرات لظروف عيش لم يخترنها.
وبات الزواج المبكر آخذا في التزايد بسبب الحرب، بدوافع اجتماعية متعددة أو للجوء الأب لتزويج ابنته حفاظاً عليها من الخطف في مناطق تشهد توترات، ووردت تقارير عدة عن اعتداءات جنسية، لا سيما في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، المنطقتين اللتين تشهدان أعنف المعارك.
وباتت بعض الأسر تجبر بناتها على الزواج والابتعاد عن العاصمة الخرطوم “وأن الحل لكل الأطراف أن تتزوج من رجل يحميها في ظل تنامي ظاهرة العنف المتصل بالنزاع المسلح، فضلاً عن عدم قدرة الآباء على المساعدة بسبب فقدانهم أعمالهم.
كما قالت منظمة “إنقاذ الأطفال”، في بيان، إن مقاتلين مسلحين يعتدون جنسياً على فتيات في سن المراهقة ويغتصبونهن “بأعداد مقلقة”، بينما أفادت الأمم المتحدة بوجود “زيادة ملحوظة” في العنف على أساس النوع.
وقال مدير منظمة “إنقاذ الأطفال” في السودان عارف نور “نعلم أن الأعداد الرسمية هي مجرد غيض من فيض، يجري استهداف فتيات بعمر 12 سنة بسبب جنسهن أو عرقهن أو ضعفهن”. وأضاف نور أن “بعض الآباء يزوجون بناتهم في سن صغيرة في محاولة لحمايتهن من الاعتداءات”.
ووردت تقارير عن احتجاز فتيات أياماً مع الاعتداء عليهن جنسياً، وعن وجود حالات اغتصاب جماعي للنساء والفتيات. وقالت منظمات تابعة للأمم المتحدة، في بيان مشترك، هذا الأسبوع، “حذر مقدمو الرعاية الصحية وأخصائيون اجتماعيون ومستشارون وشبكات مجتمعية للحماية من زيادة ملحوظة في تقارير العنف على أساس النوع في ظل استمرار الأعمال العدائية في أنحاء البلاد”.
وتغادر مئات الفتيات في السودان مقاعد الدراسة نتيجة الزواج المبكر، ويتم تحميلهن أعباء كبيرة تفوق طاقاتهن، فضلاً عن الأضرار الصحية التي تصيبهن وتعرض بعضهن للعنف بصوره المختلفة.
ووصفت الباحثة الاجتماعية سارة سليمان هذه الظاهرة بقولها “زواج القاصرات جريمة بكل المقاييس، إنسانية وحقوقية واجتماعية، وأسهمت آثار الحروب في تزايد نسبة زواج اليافعات، بخاصة في المدن التي تشهد نزاعات وانتقال الأسر من المناطق الحضرية إلى مخيمات النزوح من دون النظر إلى العواقب، بل إن مجتمعات ريفية يندرج ضمن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية تزويج القاصرات”. ونبهت سليمان إلى أن “آلاف الفتيات حرمن من حقهن في التعليم والاختيار في ما يخص شريك حياتهن، وأن معظم هذه الزيجات يتم خارج المحاكم وبعقد زواج معتمد فقط من مأذون شرعي، بالتالي يتحول معظمها إلى حالات طلاق”.
واعتبرت الباحثة الاجتماعية أن “الزواج في سن الطفولة يضاعف مشكلات المجتمع السوداني لعدم استطاعة اليافعات تحمل أعباء الحياة الزوجية والتكيف مع الأسرة والصراعات التي تنتج بين الفينة والأخرى”. وأوضحت سليمان أن “معظم المتزوجات من العائلات الفقيرة وهن غير متعلمات أو يتيمات الأبوين، ومن النادر أن نجد من تتزوج بهذا العمر وهي تعيش وسط أسرة ميسورة”.
وقدرت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة للحكومة السودانية أن الأرقام تمثل اثنين في المئة فقط من العدد الإجمالي. وقالت رئيسة الوحدة سليمة إسحاق إن هناك “51 حالة موثقة للعنف الجنسي المتصل بالنساء في العاصمة الخرطوم، بينما سجل إقليم دارفور 46 حالة”.
واعتبرت أن “آليات الحماية مشوهة ولا تشكل حماية للطفلات ضد العنف المتصل بالنزاع لأن الأسر تلجأ إلى الزواج المبكر خوفاً من الانتهاكات أو تأمين حياة جديدة في ظل مستقبل مجهول للبلاد، خصوصاً خلال فترة النزوح”. وأبدت إسحاق قلقها من تزايد حالات اختطاف الفتيات في مناطق النزاعات، لا سيما القاصرات، ولفتت إلى أن “جميع النساء في السودان معرضات للعنف الجنسي لأن دائرة الحرب امتدت إلى عدد من أقاليم البلاد”.
ويخوض الجيش وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية معارك في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى بالسودان في صراع على السلطة اندلع في منتصف إبريل.
وتسبب الصراع في نزوح ما يزيد على ثلاثة ملايين، بما في ذلك أكثر من 700 ألف فروا إلى البلدان المجاورة، ودخل السودان منذ 15 إبريل دوامة من المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، فشلت معها كل محاولات التهدئة، وزادت من معاناة سكان البلاد التي كانت تعدّ من الأكثر فقرا في العالم حتى قبل الحرب.