ذات صلة

جمع

ما هي أبعاد الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر ودوافعها؟

تزايدت في الآونة الأخيرة الهجمات الحوثية على السفن التجارية...

بعلبك التاريخية تحت القصف الإسرائيلي.. محو تاريخ لبنان

في تصعيد عسكري غير مسبوق، قام الجيش الإسرائيلي، الأربعاء،...

هل تورط الموساد الإسرائيلي في فضيحة التجسس الكبرى بإيطاليا؟

شهدت إيطاليا فضيحة تجسس ضخمة للغاية، تورط فيها أعضاء...

هل أطاحت الحرب بذهب السودان؟.. أرقام ضخمة وخسائر فادحة

يعتبر الذهب من أحد أهم مقومات الاقتصاد في السودان؛ إذ تعتمد البلاد على صادراته بصورة كبيرة في الحصول على النقد الأجنبي وبلغت صادراته 2.021 مليار دولار عام 2022، واستقرت الصادرات فوق مستوى ملياري دولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وفي العام الماضي كانت صادرات الذهب تعادل 46% من إجمالي عائدات الصادرات السودانية البالغة 4.357 مليار دولار، ونسبة إلى هذا يكتسب الذهب أهمية كبرى كمورد رئيس للنقد الأجنبي لتمويل واردات سنوية ضخمة بلغت 11 مليار دولار في 2022 ولهذا ترتفع مخاوف تأثير الحرب في عمليات التعدين وفي سلاسل الإمداد المرتبطة بقطاع المعادن في السودان، وفقا لموقع “الإندبندنت”.

ومن القطاعات الواعدة التي يعتمد عليها الاقتصاد السوداني بعد انفصال دولة جنوب السودان في 2011 نشاط التعدين الذي يضم أكثر من 400 شركة حاصلة على رخص وعقود للبحث والاستكشاف عن المعادن تتوزع على 14 ولاية.

وتأتي ولاية البحر الأحمر على رأس قائمة الولايات مستحوذة على 51 مربعاً للاستكشاف والبحث، ثم ولاية نهر النيل بعدد 23 مربعاً ونصيب الولاية الشمالية 17 مربعاً، وولاية جنوب كردفان بها 12 مربعاً، ويعمل بالنشاط نحو مليوني شخص في الوديان والجبال والصحاري، وأكثر من 80 سوقاً تقليدية (الطواحين) تنتشر من المناطق القريبة من مراكز التعدين.

وبحسب الإحصاءات المتوفرة هناك نحو خمسة آلاف غربال و161 حفرة و11.241 خط إنتاج وبئر حفر واستكشاف وثلاثة آلاف جهاز محمل لكشف الذهب السطحي، وبلغ عدد الطواحين التي تطحن الحجر نحو 10 آلاف طاحونة، وهذه المعدات الكبيرة تنتشر في قطاع التعدين التقليدي الذي يسهم بأكثر من 85% من الإنتاج السنوي للذهب في السودان.

وانفصال جنوب السودان في عام 2011 أخذ معه أكثر من ثلثي مصدر النقد الأجنبي في الموازنة، مثلاً كانت صادرات السودان الرسمية من النفط في 2011 قرابة سبعة مليارات دولار وتراجعت في 2012 (أول عام بعد الانفصال) إلى 256 مليون دولار، وبدأت الصادرات السودانية تعرف الذهب؛ إذ بلغت عوائد الصادرات السنوية من المعدن في 2014 نحو 1.271 مليار دولار، وبلغت 1.5 مليار دولار في عام 2017، و1.2 مليار دولار في عام 2019، وقفزت إلى 2.021 مليار دولار في عام 2022.

كما لعب الذهب دوراً محورياً في تخفيف صدمة خروج النفط من الموازنة وشكل بديلاً ناجحاً في توفير النقد الأجنبي خلال العقد الماضي في السودان، وتسببت هذه الأهمية في تطور قطاع التعدين ودخول شركات كبيرة محلية وأجنبية للاستثمار في القطاع المهم.

بينما ما ذكر الذهب في السودان وإلا ذكر معه التهريب ويقصد بذلك خروج هذا المورد المهم من دون المرور بسلطات الجمارك ومن دون الحصول على التراخيص من بنك السودان المركزي ووزارة التجارة؛ ما يعني عدم عودة حصيلة الصادر من النقد الأجنبي للبلاد، ويدور جدل واسع حول الكميات التي تهرب من الذهب سنوياً.

وتفصح الأرقام الرسمية التي أعلن عنها بنك السودان المركزي وأرقام الإنتاج التي رصدتها شركة حكومية متخصصة تحصل أنصبة الحكومة من العوائد وتقديرات مركز الذهب العالمي ورصده الإنتاج السنوي عن كثير، ففي الفترة بين 2010 وحتى 2020 بلغ المتوسط السنوي لإنتاج الذهب 65 طناً وفقاً لأرقام الشركة السودانية للموارد المعدنية، وبلغ متوسط الإنتاج السنوي في الفترة نفسها 64.1 طن وفق تقديرات مركز الذهب العالمي، وعند مقارنة هذه التقديرات مع الأرقام الرسمية المدونة في سجلات بنك السودان المركزي في موجز التجارة الخارجية الذي يصدر كل ربع سنوي يتبين أن المتوسط السنوي للذهب الذي تم تصديره خلال هذه الفترة (2010-2020) 27 طناً، ومن هذا نخلص إلى أن الفاقد السنوي من الذهب بسبب التهريب هو 38.5 طن سنوياً في العام.

وبقياس النسبة الإجمالية لفترة الـ11 عاماً نجد أن السودان أنتج 723.1 طن، بينما بلغت كميات الذهب التي تم تصديرها فعلياً 300 طن ونسبة الفاقد بلغت 60%، وتقدر هذه الكميات المفقودة بنحو 2.3 مليار دولار سنوياً خلال الفترة بين 2010-2020.

ويتضح مما سبق أن إدارة قطاع المعادن في السودان كانت تواجه صعوبات كبيرة نسبة لتقاطع المصالح بين الجهات النافذة والصراع بين شبكات المصالح المرتبطة بالاقتصاد العسكري وضعف الرقابة الحكومية وضعف جهاز الدولة الإداري في مواجهة هذه المجموعات؛ ما تسبب في كارثة التهريب.

وبذلت الحكومة المدنية خلال الفترة بين 2019-2021 مجهودات كبيرة في معالجة القصور الذي لازم الأداء في هذا القطاع المهم، ونتج من ذلك ارتفاع حصيلة صادرات الذهب بأكثر من 60% مقارنة بفترة النظام السابق، لكن هذا الوضع سبق اندلاع الحرب التي فاقمت الأوضاع في أشهر قليلة؛ إذ إن خروج مطار الخرطوم عن الخدمة سهل خروج الذهب عبر المعابر من دون توفر إمكانية الكشف عن الكميات التي تغادر البلاد لعدم كفاءة هذه المعابر في الكشف عن المعدن.

وتقدر الكميات التي فقدها السودان في أول ثلاثة أشهر من الحرب (نقترب من نهاية الشهر الثالث) بـ500 مليون دولار كان من المتوقع تحصيل عوائد الصادر منها، إضافة إلى كميات أخرى يرجح أنه تم تهريبها يصعب تقدير كمياتها.

تسببت الحرب أيضاً في أضرار بالغة لمصفاة السودان للذهب في الخرطوم الواقعة في نطاق الاشتباكات، وغير معلوم حجم التخريب الذي طال المصفاة حتى الآن، ولكنها توقفت عن العمل تماماً منذ اندلاع هذه الحرب، بينما العامل الثالث أيضاً مرتبط بمدخلات إنتاج الذهب التي عانت حدوث فجوات؛ إذ إن السودان يعتمد بروتوكول معالجة مخالفات الذهب بنسبة محددة من المواد الكيماوية (الزئبق السيانيد)، لكن بسبب الحرب هناك شح شديد في مادة الزئبق نسبة إلى توقف عمل شركة “سودامين” المسؤولة عن توريد هذه المواد والتحكم في توزيعها وتحت إشراف الجهات المتخصصة، وغياب هذا الدور يجعل السودان تحت خطر كبير من جراء التوسع في استخدام مادة السيانيد في الاستخلاص، وعليه يمكن القول إن الحرب ستفاقم من هدر هذا المورد المهم، وسوف تزيد من المخاطر البيئية.

spot_img