ذات صلة

جمع

الإخوان يحولون الخدمات إلى سلاح ضغط في تعز.. من يوقف العبث؟

تشهد مدينة تعز اليمنية واحدة من أسوأ أزماتها المعيشية...

بعد عودة الاشتباكات الدامية.. هل تستطيع الحكومة السورية فرض سيطرتها على السويداء؟

عادت محافظة السويداء السورية إلى واجهة المشهد الأمني، بعد...

تحالفات خفية ومناورات ضخمة.. الغرب يواجه تمدد الصين بـ«قوة صامتة»

في ظل اشتداد المنافسة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين، تتحول...

محاولة اغتيال بزشكيان.. هل تمهد لعودة الحرب بين إيران وإسرائيل؟

في تطور دراماتيكي أعاد خلط أوراق المشهد الأمني في...

أرقام مخيفة وأوضاع خطيرة.. كيف تسببت ميليشيا الحوثي في تفشي الأمراض والأوبئة باليمن؟

بين الحرب والصراع وأصوات القذائف والسلب والنهب وفرض الإتاوات والجرائم المروعة، يعيش اليمنيون حياة مريرة توصف بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم، لم تنتهِ يوما منذ انقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الحكم عام 2014، والتي لم تقتصر على ذلك فقط بل وصلت لتفشي الأمراض والأوبئة، ليسقط ضحيتها الآلاف من أبناء اليمن، وفي مقدمتهم الأطفال.

وانتشر عدد من الأمراض والأوبئة في مناطق عدة خاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، بينها شلل الأطفال والحصبة، بسبب فساد الأخيرة وإهمال قادتها ومنعهم تنفيذ حملات التحصين التي تقودها المنظمات الدولية.

انتشرت العديد من الأمراض في اليمن؛ إذ إنه بين عامي 2017 – 2018، تفشى وباء الدفتيريا في اليمن، وتسبب في موت الآلاف بحسب وزارة الصحة اليمنية، وذلك بعد أن امتنعت الجماعة عن توزيع اللقاحات الخاصة بالوباء، قبل أن ترضخ لضغوطات منظمة الصحة العالمية، إلا أن وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي، قامت في أكتوبر 2020، بإعادة 492 ألف جرعة من لقاح فيروس “الروتا” إلى منظمة “يونيسف”، بحجة عدم مطابقتها للمواصفات، وذلك بعد مرور أكثر من 3 أشهر على تاريخ استلام اللقاحات، وفي اليوم نفسه، أصدرت منظمة يونيسف بيانًا يفيد بأن “لقاحات الروتا التي تمت إعادتها من اليمن قد تم تقييمها مسبقًا، وهي صالحة للاستخدام خلال فترة صلاحيتها (حتى أغسطس 2021)”.

وسبق أن اعترف قادة الميليشيات بتسجيل مختلف المناطق تحت سيطرتها خلال العام الفائت آلاف الإصابات والمئات من حالات الوفاة جراء الأوبئة والأمراض الفتاكة، وجاء ذلك بعد أن كان اليمن قد تخلص خلال العقود الماضية من كثير من الأوبئة والأمراض الناجمة عن عدم أخذ اللقاحات بما فيها مرض شلل الأطفال والحصبة، في وقت تحذر فيه الأوساط الطبية من تفشٍّ أوسع للعديد من الأوبئة في الفترة المقبلة، في ظل إهمال الحوثيين وفساد قادتهم.

المثير للسخرية، أنه في الثامن من فبراير الماضي، أقامت مؤسسة “بنيان” التنموية، التي يرأس مجلس أمنائها عبد الملك الحوثي (زعيم جماعة الحوثي)، ندوة بعنوان “خطورة اللقاحات على البشرية” والتي كانت تتحدث عن أضرار اللقاحات الخاصة بالأطفال، حيث قدم من خلالها عبد العزيز الديلمي وسليم السياني أوراقًا بحثية زعموا فيها أن لقاحات شلل الأطفال تتسبب بأضرارٍ صحية على الأطفال، وأنها عبارة عن “مؤامرة يهودية أميركية على البشرية لتقليص النسل”، وألزمت الجماعة رئيس الحكومة ووزير الصحة وكل قيادات الحكومة التابعة للميليشيا بحضور هذه الندوة.

وتأتي تلك التصريحات في سياق مساعي الجماعة منذ نشأتها لشيطنة اللقاحات، وهي فكرة متأصلة في عقيدة الجماعة، ويبدو ذلك جليًا في خطابات مؤسسها حسين الحوثي، الذي هاجم اللقاحات في أكثر من محاضرة من محاضراته، بوصفها مؤامرة أميركية ويهودية على أطفال المسلمين، وأنها تعمل على تعقيم الرجال.

وتبنّى هذه النظرية من بعده أخوه عبدالملك الحوثي الذي سار على هذا المسار؛ بالدعوة لمقاطعة اللقاحات، والتحريض ضد الفرق الصحية، والدعاية من خلال المؤثرين التابعين لهم، ومن خلال جميع وسائل الإعلام الحكومية التابعة للجماعة.

بينما أغلقت وزارة الصحة التابعة للجماعة بعض مراكز التحصين، وفي يوم الجمعة 3 مارس 2023، وزعت وزارة الأوقاف التابعة لجماعة الحوثي خُطبة الجمعة الموحدة على جميع المساجد في مناطق سيطرتها، وهاجمت فيها اللقاحات بشكلٍ علني ومباشر، وألزمت جميع خطباء المساجد بهذه الخطبة، وقد حصل معد التحقيق بشكل حصري على نسخة من هذه الخطبة، والتي تنص على “أن العدو يستخدم أسوأ الأساليب في حربه معنا، كالحرب الناعمة والحرب البيولوجية بنشر الأمراض والأوبئة بعدة وسائل منها اللقاحات، فهي تدعمها وتمولها مما يُثير الشكوك والاستغراب، ويوجب الحيطة والحذر”.

فيما أمد مسؤولون في الصحة العالمية، أن المنظمة تجادل مع الميليشيات منذ أربع سنوات فيما يخص اللقاحات؛ إذ بدأت بمنع حملات التحصين من منزل إلى منزل، ولكن عندما تفشى شلل الأطفال خلال 2021 و2022 في صعدة ومعظم المحافظات، لم يكن بيدهم أي خيار آخر سوى الضغط على الجماعة بكل الطرق لعودة حملات التحصين، وقد قوبلت طلباتها بالرفض أكثر من مرة، ما يؤكد أن هناك توجهاً من قيادات الجماعة، خاصة الجناح المتطرف فيها بمنع اللقاحات.

وأضافوا: “حاولنا أن نعمل بالتعاون مع النظام الإيراني للضغط على الجماعة من قِبل وزارة الصحة في إيران، وكذلك من قِبل العُمانيين، بالتزامن مع ضغط مجتمعي على جماعة الحوثي، فوافقوا في البداية على تنفيذ حملات التحصين في المراكز الصحية، بشرط عدم خروج حملات التحصين من منزل إلى منزل، ونحن وافقنا من جهتنا”.

من جهته اعترف القيادي الحوثي طه المتوكل مجددا بأن هناك ما بين 150 إلى 170 طفلاً يتوفون يومياً في مناطق سيطرة جماعته نتيجة استمرار تفاقم الحالة الصحية، كما اعترفت الميليشيات في إحصائية صدرت بفبراير الماضي بتسجيل 226 حالة إصابة بشلل الأطفال، و18519 إصابة بمرض الحصبة، توفي منها 131 حالة بمناطق سيطرة الجماعة خلال العام الماضي.

كما أقرت بأن عدد المرضى المصابين بالأمراض التنفسية العلوية بمناطق سيطرتها وصل إلى أكثر من مليوني حالة، في حين وصل عدد المصابين بالإسهال المائي إلى أكثر من مليون و150 ألف حالة، توفي منها 46 شخصاً، بينما بلغ عدد المصابين بالأمراض التنفسية الأخرى 760 ألف حالة، توفي منها 7 حالات خلال العام الفائت.

كما كشفت أن حالات الاشتباه بمرض الكوليرا التي سجلتها مناطق تحت سيطرتها بلغت خلال العام نفسه 14.500 حالة، توفي منها 8 حالات، كما وصل عدد الإصابات بالديفتيريا 1105 حالات، توفي منها 76 شخصاً، وبلغ عدد المصابين بمرض التيفوئيد 196 ألف شخص، بينما بلغ عدد المصابين بمرض الملاريا أكثر من مليون حالة، توفي منها 19 شخصاً.

ووصل عدد المصابين بمرض حمى الضنك في مدن سيطرة الجماعة خلال الفترة نفسها إلى أكثر من 28157 حالة، توفي منها 37 حالة، فيما بلغ عدد حالات التهابات الكبد الفيروسي بمختلف أنواعها أكثر من 34 ألف حالة، حسب الإحصائية الحوثية.

وكانت الحكومة اليمنية قد حذرت غير مرة من استمرار تضييق الجماعة الخناق على برامج تحصين الأطفال، وعرقلتها تنفيذ حملات تلقيح شاملة في العاصمة المختطفة ‎صنعاء وبقية المدن التي تحت قبضتها.

وتتهم تقارير محلية وأخرى دولية الميليشيات بانتهاجها طيلة السنوات الماضية سياسة تدميرية ممنهجة تجاه القطاع الصحي، مع مواصلتها إيقاف رواتب ونفقات تشغيل المنشآت الصحية، وحرمانها ملايين اليمنيين من تلقي الخدمات الطبية للحماية من الأمراض والأوبئة التي لا تزال تفتك بكثير منهم.

وفي بيان لها، أكدت منظمة الصحة العالمية أن 21.9 مليون يمني بحاجة للمساعدة الصحية، لافتة إلى أن اليمن يتأثر بسلالتين منفصلتين من فيروس شلل الأطفال، حيث تم تسجيل 150 إصابة في عام 2022، وأعلنت حاجتها لنحو 141.5 مليون دولار، لتوفير الخدمات الصحية الضرورية لإنقاذ حياة ملايين الأشخاص في اليمن خلال العام الحالي 2023، بما في ذلك التصدي للأمراض المعدية وتفشي الأوبئة ومنها (كوفيد – 19).

وأكدت أن الصراع المستمر للعام التاسع على التوالي أدى إلى انهيار الاقتصاد اليمني، وتعطيل الخدمات العامة والاجتماعية، وبالتالي زيادة الاحتياجات الإنسانية، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية، حيث يعمل أقل من 50 بالمائة من المرافق الصحية في عموم البلاد، ما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات السكان.

وأوضحت أن أنشطتها في اليمن خلال هذا العام ستتمثل في تعزيز التأهب والمراقبة بما في ذلك الاكتشاف المبكر والتصدي للأمراض المعدية وتفشي الأمراض والأوبئة، ومنها (كوفيد – 19) في 32 مرفقاً صحياً، مشيرة إلى أن الحرب في اليمن، دمرت البنية التحتية لقطاع الصحة، في بلد يعيش في فقر مدقع، ويعتمد 80 في المائة من سكانه البالغ عددهم 32.6 مليون نسمة على المساعدات.

وألحقت الحرب التي أعقبت انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية واجتياحهم العاصمة اليمنية صنعاء أضراراً فادحة على القطاع الصحي، وكشف عديد من التقارير الصحافية عن ضلوع الميليشيات في استهداف المستشفيات والسطو على كبريات المستشفيات الخاصة، وكذا احتكار خدمات المستشفيات الحكومية لصالح مقاتليها وحرمان بقية المواطنين من خدماتها.

spot_img