في تطور لافت على الساحة السورية، كشفت تقارير أن إسرائيل بدأت بتحويل مقرات تابعة للجيش السوري في الجنوب إلى قواعد عسكرية خاصة بها، وهذا التحول يثير تساؤلات حول أهداف إسرائيل من هذا التمدد العسكري، وتأثيراته المحتملة على توازن القوى في المنطقة، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع إيران وحلفائها.
إسرائيل تحوّل مقار الجيش السوري لقواعد عسكرية
وتنفذ إسرائيل حاليًا خطتها في تحويل بعض مقرات الجيش السوري السابق التي احتلتها في مرتفعات جبل الشيخ إلى قواعد عسكرية محصنة، بهدف دعم قدرات جيشها في صد أي هجوم قد يتعرض له مستقبلا من داخل سوريا.
وذكرت مصادر سورية، أن تل أبيب بدأت بتحويل مقر الفرقة الـ24 السابق في جيل الشيخ إلى قاعدة عسكرية دائمة لجيشها، حيث سيمنحه إشرافًا ناريًّا واستطلاعيًّا على مختلف مناطق الجنوب السوري وشمال لبنان، الأمر الذي يمكنه من التصدي لأي محاولة سورية لاستعادة جبل الشيخ.
ولفتت المصادر، أن القاعدة العسكرية في مقر الفرقة الـ24 ليست القاعدة الأولى التي يقيمها الجيش الإسرائيلي في الأراضي التي احتلها في محافظات الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد.
أهداف إسرائيل من التمدد العسكري داخل سوريا
وتهدف إسرائيل عبر ذلك لتحصين الجبهة الشمالية، حيث تسعى إلى تعزيز أمنها القومي من خلال إنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي السورية، خاصة في الجنوب القريب من حدودها، وهذا التوجه يهدف إلى منع أي تهديدات محتملة من قبل مجموعات مسلحة قد تنشط في تلك المناطق.
كما تهدف لمواجهة النفوذ الإيراني، حيث تعتبر إسرائيل أن التواجد الإيراني في سوريا، وخاصة من خلال “حزب الله” اللبناني، يشكل تهديدًا مباشرًا.
لذا، فإن التمدد العسكري الإسرائيلي يهدف إلى تقليص هذا النفوذ ومنع إيران من تعزيز وجودها العسكري قرب الحدود الإسرائيلية.
انعكاسات التحركات الإسرائيلية على توازن القوى في جنوب سوريا
ومن ثم فتحركات إسرائيل العسكرية قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة السيطرة في الجنوب السوري، فبينما كانت هذه المناطق تحت سيطرة الجيش السوري أو مجموعات مدعومة من إيران، فإن التواجد الإسرائيلي المباشر قد يغير من ميزان القوى؛ مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات بين الأطراف المختلفة.
وبحسب تحليل نشره “معهد الشرق الأوسط” (Middle East Institute) في واشنطن، فإن إسرائيل تستغل لحظة الفراغ الاستراتيجي لتفرض واقعًا جديدًا في جنوب سوريا، مشيرًا أن: “الجنوب السوري قد يتحول إلى منطقة نفوذ إسرائيلية غير معلنة، تُدار عبر وكلاء محليين وبنى أمنية إسرائيلية مرنة، مع حرص واضح على عدم الاصطدام المباشر مع إيران حاليًا”.
كما يرى مراقبون، أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى حماية حدودها، بل إلى “إنتاج بيئة جيوسياسية جديدة” تمنع أي مشروع توسعي لإيران أو إعادة تموضع لقوات النظام السابق.
احتمالية تصاعد التوتر مع إيران وحلفائها
وقد يفسر التواجد الإسرائيلي المتزايد في سوريا من قبل إيران وحلفائها كتصعيد واستفزاز، هذا قد يؤدي إلى ردود فعل من قبل “حزب الله” أو مجموعات أخرى مدعومة من إيران، مما يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات مباشرة أو غير مباشرة في المنطقة.
وفي تحليل صادر عن “مجموعة الأزمات الدولية” (International Crisis Group)، ورد أن:“إيران ترى في التحركات الإسرائيلية الأخيرة تهديدًا مباشرًا لممرها الاستراتيجي الواصل من طهران إلى بيروت عبر دمشق، وقد يدفعها ذلك إلى تعزيز وجودها في مناطق أبعد جنوبًا أو إلى إطلاق عمليات محدودة ضد الأهداف الإسرائيلية في الجولان أو عبر وكلاءها في العراق ولبنان”.
أما الباحث الإيراني المعارض صادق زيباكلام، فقد صرح لصحيفة “شرق” الإيرانية قائلاً: “إيران لن تتقبل بسهولة أن تخسر الجنوب السوري لصالح إسرائيل. نحن مقبلون على تصعيد غير مباشر، لكنه سيكون مؤلمًا للطرفين”.
مستقبل الصراع السوري الإسرائيلي
ومع استمرار التمدد الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، قد نشهد تصعيدًا في الصراع بين الجانبين، وهذا التوتر قد ينعكس سلبًا على جهود التسوية السياسية في سوريا، ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، خاصة إذا ما تدخلت أطراف دولية أو إقليمية أخرى في الصراع.
وتمثل التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري تحولًا استراتيجيًا قد يكون له تبعات كبيرة على الأمن الإقليمي، من المهم مراقبة التطورات عن كثب، وفهم الدوافع والأهداف وراء هذه التحركات، لتقييم تأثيرها المحتمل على مستقبل المنطقة.
التوغل الإسرائيلي بعد سقوط نظام الأسد
ومثّل انهيار نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 نقطة تحوّل استراتيجية في المشهد السوري، خصوصًا في الجنوب، وهذا الانهيار الذي جاء نتيجة تراكم الضغوط السياسية والاقتصادية والانشقاقات العسكرية، ترك فراغًا أمنيًا واسعًا استغلته عدة أطراف إقليمية، في مقدمتها إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، شرعت إسرائيل في تنفيذ خطة توسّع ميداني صامت، عبر تثبيت وجود عسكري واستخباراتي في مناطق كانت تخضع سابقًا للجيش السوري، خصوصًا في محافظتي القنيطرة ودرعا.
وبحسب تقارير استخباراتية غربية، فإن تل أبيب استهدفت بالدرجة الأولى السيطرة على مقرات فرعية للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وإنشاء بنى تحتية للرقابة الجوية والرصد الإلكتروني، ودعم مجموعات محلية عسكرية غير موالية لإيران ولا للنظام السابق، بهدف تشكيل طوق أمني محلي موالٍ لإسرائيل.
خطة استراتيجية إسرائيلية مدروسة
ويرى مراقبون، أن هذا التحرك لم يكن ارتجاليًا، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية مدروسة تم إعدادها مسبقًا لمواجهة احتمالات انهيار النظام، وسرعان ما فُعّلت بعد سقوطه.
كما أشار بعض الخبراء العسكريين، أن التوسع الإسرائيلي تزامن مع تراجع النفوذ الروسي بسبب الانشغال بأوكرانيا، وإعادة انتشار المليشيات الإيرانية شمالًا لتأمين مواقعها قرب دمشق، ما فتح المجال أمام إسرائيل لتوسيع تحركها دون مقاومة تذكر.
وفي هذا السياق، يقول الجنرال عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، في تصريح لموقع “القناة 12” الإسرائيلي: “سقوط النظام السوري أتاح لنا فرصة استثنائية لتطويق النفوذ الإيراني عند الحافة، وليس داخل حدودنا فقط، والجنوب السوري يجب أن يُعاد تصميمه هندسيًا لصالح الأمن الإسرائيلي، وهذا ما نفعله الآن على الأرض، دون ضجيج”.
كما أشار عدد من تقارير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، أن إسرائيل تعتبر الجنوب السوري منطقة حيوية يجب ألا تترك للمجهول، وأنها في طور إنشاء “بنية أمنية استباقية” تشمل قواعد للرصد والاستطلاع وجيوبًا موالية ميدانيًا.