ما زالت تركيا تتبع سياستها المثيرة للجدل، بالتدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بالبلدان، لذا يبدو أن أزمة دبلوماسية جديدة بانتظار أنقرة، بسبب تدخلها السافر في تونس.
وأعلنت السلطات التونسية استدعاء السفير التركي لديها، لإبلاغه بالاحتجاج على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن حل البرلمان التونسي، مؤكدة أن ذلك الأمر يعد تدخلاً غير مقبول في شؤونها.
أعلن وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، صباح اليوم الأربعاء، أنه تحدث أيضًا إلى نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو عَبْر الهاتف، واستدعى سفير أنقرة للتعبير عن رفض بلاده تعليقات أردوغان.
وأشار إلى أنه أبلغ الوزير والسفير على السواء، رفض تونس التدخل في شؤونها، مؤكدا أن “علاقات البلدين يجب أن تقوم على احترام استقلالية القرار الوطني واختيارات الشعب التونسي دون سواه، وأن بلاده لا تسمح بالتشكيك في مسارها الديمقراطي”.
ويأتي ذلك بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول حل البرلمان التونسي، إذ انتقد في بيان أمس حل البرلمان التونسي، زاعما أنه “يشكل ضربة لإرادة الشعب التونسي”، وفق تعبيره، بينما في الحقيقة مازال يدعم الإخوان الذين كانوا يسيطرون على ذلك البرلمان.
وأبدت وزارة الخارجية التونسية في بيان نشرته عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”، “بالغ استغرابها” من تصريحات أردوغان التي تتعارض تمامًا مع مبدأ الاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول، مؤكدة أنها ترفض التدخل في الشأن الداخلي للبلاد.
وشددت على أن تونس “تتمسك باستقلال قرارها الوطني، وترفض بشدّة كل محاولة للتدخل في سيادتها وخيارات شعبها أو التشكيك في مسارها الديمقراطي الذي لا رجعة فيه”.
وأضافت أنها “تُذكر بأن تونس بقدر التزامها بثوابت سياستها الخارجية وحرصها على بناء علاقات وثيقة مع الدول الشقيقة والصديقة قوامها التعاون والتضامن والتشاور والثقة المتبادلة، فإنها أيضا تتمسك باستقلال قرارها الوطني وترفض بشدة كل محاولة للتدخل في سيادتها وخيارات شعبها أو التشكيك في مسارها الديمقراطي الذي لا رجعة فيه”.
وأردفت الوزارة أن “تونس دولة حرة مستقلة والشعب فيها هو صاحب السيادة وهو المخول الوحيد لاختيار مسار تحقيق الحرية الحقيقية التي تحفظ أمنه وتصون كرامته وتدعم حقوقه وتعزز كل مكاسبه وتقطع مع رواسب الماضي ومع مسار الديمقراطية الشكلية التي لا علاقة لها بإرادة التونسيين والتونسيات”.
وكان الرئيس التركي أردوغان ادعى تمنيه أن “لا تؤدي هذه التطورات إلى إلحاق الضرر بالمرحلة الانتقالية الجارية نحو إرساء الشرعية الديمقراطية في تونس.. نولي أهمية لتنفيذ خارطة الطريق المعلنة بشأن الانتخابات”.
وحاول إعادة السيطرة للإخوان، من خلال قوله إن “العملية الانتقالية لا يمكن أن تنجح إلا من خلال حوار شامل وهادف تشارك فيه كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك البرلمان الذي يجسد الإرادة الوطنية”.
وحاولت أنقرة الاستفادة من تواجد حركة النهضة في الحكم لتقوية نفوذها في تونس، لذا أبدت قلقها الشديد تجاه ما جرى في البلاد قبل أشهر، وعبّرت عن رفضها للإجراءات الاستثنائية التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد وآخرها حل البرلمان.
وفي 30 مارس الجاري، في خطوة جديدة لمواجهة الإرهاب ومساعي الإخوان الفاسدة، قرر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، حل البرلمان بناء على الفصل الثاني والسبعين من الدستور.
واعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد الجلسة العامة البرلمانية، التي عقدت وقتها بين الإخوان، أنها بمثابة “محاولة انقلاب فاشلة”.
وقال قيس سعيد، ردا على جلسة البرلمان المجمد: “إن كانوا يريدون تقسيم البلاد وزرع الفتنة فنجوم السماء أقرب إليهم من ذلك وما يقومون به الآن هو تآمُر مفضوح على أمن الدولة”، مشيرًا إلى أنه تحدث إلى وزيرة العدل “لتقوم النيابة العمومية بدورها.. لنا مسؤولية الحفاظ على أمن ووحدة واستمرارية تونس، ولن نترك العابثين يواصلون عدوانيتهم على مؤسسات ومقدرات الشعب ولن نتركهم يواصلون عمالتهم المفضوحة للخارج”.
وشدد على أنه “لا شرعية ولا مشروعية لما يقومون به، بما أنه لا قيمة قانونية لأي قرار مزعوم.. ما يفعلونه اليوم هو هراء وهذيان يرتقي إلى مرتبة الجريمة والتآمر على أمن الدولة.. لقد بلغ السيل الزبى وسنتحمل المسؤولية كاملة لإنقاذ الوطن من الأعداء الذين يتربصون به ويتآمرون عليه من الداخل وفي الخارج”.
وأكد الرئيس التونسي أنه سيتم ملاحقة هؤلاء جزائيًا وقد بادرت وزيرة العدل بفتح دعوى أمام النيابة العمومية، محذرا من أن أي لجوء للعنف سيواجه بالقانون وبالقوات المسلحة العسكرية والقوات المسلحة المدنية لأن الدولة لن تكون أبدًا لعبة بين أيادي هؤلاء الذين حاولوا الانقلاب عليها.
ويأتي ذلك بعد أن عقد أكثر من ١٠٠ نائب في البرلمان التونسي المجمدة أعماله اجتماعا عبر الإنترنت في تحدّ للتدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيّد منذ 25 يوليو الماضي بما فيها تجميد أعمال البرلمان، وهو ما مثل تحدياّ للرئيس الذي جمّد أعمال البرلمان وأقال رئيس الحكومة واحتكر السلطات في بلاده في يوليو ومنذ ذلك التاريخ يمارس سلطاته بمراسيم وأوامر رئاسية.