بعد تغليظ القبضة الأميركية لقبضتها على حزب الله مؤخرًا، بفرض الكثير من العقوبات وتقييد المسؤولين، كشف تحقيق فرنسي عن جرائم تبييض أموال واتجار بالمخدرات وتحويل العديد من البلدان الأوروبية إلى مخازن “ترانزيت” لمواد متفجرة وأفكار مسمومة ينفذها الحزب اللبناني المدعوم من إيران.
وأكد تحقيق واسع نشرته مجلة “لو بوان” الفرنسية بشأن نشاط حزب الله في فرنسا والاتحاد الأوروبي، وصفته بأنه “صادم”، منددة بتقارب باريس في التعامل مع ميليشيا تقوض أمن الشرق الأوسط وتتوغل في القارة العجوز.
بدأ التحقيق بعد قرار للحكومة الفرنسية في نهاية 31 مايو الماضي يتضمن تسليم الموقوف اللبناني مازن الأتات مازن المتهم بالعمل لصالح حزب الله للولايات المتحدة الأميركية.
وكان الأتات واحدًا من 13 مشتبهًا بهم حُكم عليهم في باريس عام 2018 بالسجن لفترات بين عامين و9 سنوات، حيث كان قرار التسليم من قِبل باريس مصحوبًا بعواقب، فلحزب الله، الذراع العسكرية لإيران في الشرق الأوسط، وجود وتشعُّب في أوروبا وفرنسا.
وفي نهاية 2018، أدان القضاء الفرنسي 13 شخصاً من بينهم الأتات للمشاركة بأعمال جنائية لصالح شبكة تسمى “Lebanese connection” المتّهمة بتبييض الأموال لصالح تجّار مخدرات كولومبيين، حيث كانوا يجمعون أموال التجارة بالمخدرات، وشراء مجوهرات وساعات يد وسيارات فخمة، ليعيدوا بيعها في لبنان أو في إفريقيا الغربية ويقوموا بإعادة تحويل الأموال التي تم تبييضها إلى الكولومبيين، مقابل حصة من الأرباح، بما يدر أرباحًا بملايين اليورو كل عام، ومنها 20% على الأقلّ لصالح حزب الله.
وكشف التحقيق أن التشبيك جاء على يد إدارة المخدرات الأميركية من خلال العمل مع نظرائها في فرنسا، وأطلق على العملية اسم “الأرزة”، حيث كان المحققون الأميركيون على قناعة تامة بعلاقة عدد من المتورطين في هذه الشبكة بحزب الله، من بينهم محمد نور الدين، والذي حُكم عليه بالسجن لمدة 7 أعوام، وهو أيضًا مهدد بالتسليم إلى واشنطن، فضلا عن الأتات الذي يدعي أنه تم التلاعب بالملف للزج باسمه فيه باعتباره من المقربين من نور الدين، وادعى أنه كان يقدم “خدمات سكريتاريا”، مضيفًا: “في بعض الأحيان كنت أتلقى اتصالاته، لا لشيء سوى لأنه كان لمحمد عشيقة، وكنت أغطي على هذا الأمر حين تتصّل زوجته به”.
ونقل التحقيق عن كوانتين ماغ، أحد ضباط الشرطة الفرنسية الذين تولوا “عملية الأرزة”، قوله: إنه: “بالطبع كان لدى الأميركيين معلومات لم تكن بحوزتنا”، مشيرا إلى وجود ارتباط بين المال بالعمل السياسي والديني، حيث كان الغطاء الذي يمكن أن يعمل بعض المجرمين في ظلّه، أو حتى المصالح التي يسعى آخرون إلى تحصيلها.
وتابع أنه “خلال المحاكمة، عندما تم لفظ اسم حزب الله، كأنّ صقيعًا ضرب الغرفة”، في إشارة إلى واقع الصدمة، موضحا أن هذه الأعمال “أشبه بتسميم بئر، منظمات كحزب الله تعمل على إضعاف أعدائهم، ونحن أعداؤهم. ينشرون المخدرات بين أطفالنا ويجنون أموالنا”.
وكانت تلك الاعتداءات التي نفذها تنظيم القاعدة في مدريد عام 2004 بهدف تمويل الاتجار بالمخدرات مصدر تمويلها الأساسي، وفقا للتحقيق، مشيرا إلى أنه في فرنسا، تعمل جمعيات ومنظمات مقرّبة من حزب الله على جمع الأموال لصالحه.
وفي 29 ديسمبر 2020، تمكّن عدد من القراصنة من خرق نظام جمعية “القرض الحسن” التي تضعها الولايات المتحدة على لوائح العقوبات وتعتبر أنها أبرز الأدوات التمويلية للميليشيا ونشاطاته الإرهابية، فضلاً عن أنه قبل أسابيع فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على 7 شخصيات جديدة تعمل لصالح القرض الحسن وحزب الله، والأسوأ أنه من بين أكثر من 100 ألف من الحسابات التي كشفها المقرصنون، تعود إلى أشخاص أو مجموعات موجودة في فرنسا.
وأكد التحقيق الفرنسي أن حزب الله متورط بتجارة بالألماس والمخدرات وبتبييض الأموال من خلال أسواق السيارات المستعملة، حيث يتم تحويل هذه الأموال إلى لبنان بواسطة التحويلات المصرفية أو حتى من خلال نقلها شخصيا عن طريق الرحلات التجارية.
وعلق ماثيو ليفي، أحد أبرز الخبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية، ومدير برنامج مواجهة الإرهاب في معهد واشنطن، على ذلك بأهمية الفصل من الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، مؤكدا أنّ “حزب الله يجسّد خطراً دولياً”.
وقال: “اكتشفت أنّ فرنسا وبلجيكا تشكلان مركزا لنشاطات حزب الله ولشخصيات تحمل الجنسية اللبنانية وإحدى الجنسيتين الفرنسية أو البلجيكية، وتساهم في نشاطات تمويل الحزب”، مشيرا إلى أن فرنسا تشكل قاعدة أساسية لحزب الله نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين، ولوجود 150 إلى 200 ألف من الطائفة الشيعية في فرنسا”.
وفي ختام التحقيق الفرنسي، أكد أن إيران حاضرة في فرنسا من خلال مساجد ومراكز ثقافية إسلامية مرتبطة بحزب الله، ففي غراند سينت، شمالي البلاد، وعبر “مركز الزهراء” الذي لم يخفِ مديره يحيى قواسمي يومًا دعمه للميليشيا المدعومة من طهران.