يبدو أن تركيا، لا تنوي الخروج على الإطلاق من ليبيا، رغم ادعاءاتها بنقل المرتزقة ورفع يدها عن البلاد التي تحاول السلطة الجديدة بها دعم الاستقرار والسلام، لكن أذرعها التي نمت بطرابلس على مدى عدة أعوام وخاصة في ظل حكومة الوفاق، والانتشار الإخواني بها، تدعمها من الخلف بشدة، وتسعى لزيادة التدخل التركي بليبيا.
ومازالت الاتفاقية البحرية المثيرة للجدل التي تخالف القوانين الدولية بين ليبيا وتركيا، تشكل حتى الآن، أزمة داخل البلاد، ففي الوقت الذي يحاول البعض فيه من المسؤولين التخلص منها لإنهاء تلك الخلافات، يسعى فريق آخر للتمسك بها لدعم أطماع تركيا، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة.
أثارت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش، الجدل داخل بلادها، لدعوتها بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع تركيا وانسحاب قواتها ومرتزقتها من ليبيا.
وقالت المنقوش، في جلسة استماع مع لجنة الشؤون الخارجية بمقر مجلس النواب الإيطالي، بقصر “مونتي تشيتوريو” في روما: إن حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة تخوض حوارا مع تركيا، التي أبدت استعدادها لبدء المباحثات والمفاوضات.
وأضافت أن “ليبيا حازمة في الوقت ذاته في نواياها، وتطلب من جميع الدول أن تكون متعاونة من أجل إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية”، مشيرة إلى أن “الأمر يشكل أولوية بالنسبة لليبيا، لأن أمننا يعتمد على انسحاب القوات الأجنبية”، وتابعت: “أننا ندرك أن المسألة لا يمكن حلها بين عشية وضحاها، لكننا واثقون استنادا للاستعداد الذي لاحظناه”.
عقب تلك التصريحات، صال وجال إخوان ليبيا وقواتها، وسارت بالرد على تلك التصريحات لدعم التواجد التركي، حيث شن “حزب العدالة والبناء”، الذراع السياسية للتنظيم بليبيا، هجوما حادا على الوزيرة، حيث يرى أن دعوتها إلى إلغاء الاتفاقية الموقعة مع تركيا وانسحاب قواتها من ليبيا، هي “أمر مثير للاستغراب”.
وقال الحزب الإخواني: إن “القوات المتواجدة على الأراضي التركية جاءت دعما للاستقرار وبناء على اتفاقية رسمية مشتركة مع الدولة الليبية”، زاعما أنهم “ليسوا مرتزقة”، وفقا لما جاء ببيانه.
كما دافع باستماتة عن التواجد التركي على الأراضي الليبية، معتبرا أنه “ليس من اختصاص حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت بها خارطة الطريق إلغاء أية اتفاقيات دولية سابقة، حيث أن البتّ فيها من صلاحيات السلطة التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة”.
وعلى خطاها، هاجمت حركة “بركان الغضب” التابعة للإخوان، وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، مدعية أن التواجد التركي في ليبيا هو أمر “شرعي”، وأن الاتفاقية الموقعة بين البلدين أيضا “شرعية”، مطالبة بالاستمرار فيها وعدم التجاوب مع دعوة المنقوش.
وبالأمس، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية، خالد المشري، أنه “ليس من اختصاص الحكومة إلغاء أية اتفاقيات شرعية سابقة أو تعديلها”، مضيفا أنه “نؤكد احترامنا للاتفاقية الموقعة مع تركيا كما نحترم أية اتفاقيات سابقة في أي مجال وقعت مع دول أخرى”.
ويعتبر ذلك الموقف الإخواني بليبيا، معارضا مع اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين طرفي النزاع في مدينة جينيف السويسرية في شهر أكتوبر من العام الماضي، والذي يتضمن “ضرورة مغادرة كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية”.
وقبل أيام، أثبت رئيس الحكومة الليبية الجديد عبدالحميد الدبيبة، تمسكه أيضا بتلك الاتفاقية، ليسير على نهج حكومة الوفاق السابقة بقيادة فائز السراج عن جدارة، مؤكدا التزام طرابلس باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، المثيرة للجدل والرفض بالمنطقة.
وزار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة إلى تركيا، على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، به 14 وزيرا، حيث جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة، التزامهما باتفاق ترسيم الحدود البحرية المثير للجدل.
وقال دبيبة: إنه “فيما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة بين بلدينا وخاصة تلك المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، فإننا نؤكد أن هذه الاتفاقيات تقوم على أسس صحيحة وتخدم مصالح بلدينا”، مشيرا إلى إن الشركات التركية ستؤدي “دورًا مهمًا في إعادة إعمار ليبيا”، وأن تركيا ستعيد فتح قنصليتها في بنغازي بشرق ليبيا “حالما تسمح الظروف بذلك”.
وفي 27 نوفمبر 2019، وقع الجانبان التركي والليبي، مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بمزاعم حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي، وهو ما أثار خلافا عالميا ضخما، كون الاتفاقيات تخالف القوانين الدولية.
وتتضمن تلك الاتفاقية غير المعترف بها بين دول شرق البحر المتوسط، تنظيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في منطقة غنية بالغاز الطبيعي، حيث تلجأ أنقرة لها لتبرير أنشطة التنقيب عن الغاز الذي تنفذه مناطق تزعم وجودها في المجال البحري لليونان أو قبرص، وساعدت تلك الاتفاقية القوات التركية للتدخل في ليبيا ونشر المرتزقة والأسلحة والسيطرة على قواعدها العسكرية.