تلاعب جديد تمارسه تركيا يظهر مدى ازدواجيتها وأكاذيبها، فبينما تحاول الظهور بأنها تمد يدها للتصالح وتحسين العلاقات مع عدد من الدول التي خربتها مسبقا، تلعب بالوقت نفسه دورا خفيا لإضعافها.
بعد خلافات ضخمة بين تركيا وفرنسا تأججت خلال العام الماضي، سعت مؤخرا أنقرة لخطب ود باريس والتصالح وتحسين العلاقات، بينما تحاول إضعاف دور فرنسا في إفريقيا بشتى السبل.
وكشفت شبكة “غلوبال ووتش أناليز” الفرنسية للبحوث والدراسات الجيوسياسية، أن تركيا تتحرك في نطاق علاقات سرية واستخباراتية، مع قطر، وتمثلها شخصيات ووسطاء غير رسميين، لإضعاف دور فرنسا في إفريقيا.
وأضافت الشبكة الفرنسية: أنه عُقد مؤخرا اجتماع بين المخابرات التركية والقطرية في الدوحة بهدف وضع إستراتيجية مشتركة لتعزيز التدخل في القارة الإفريقية، حيث تتكون الخطة من ثلاثة محاور، هي: “الاستثمار الاقتصادي، والأمن، والتعاون السياسي العسكري”.
فيما قالت مجلة “شاشة الرصد (سكرين ووتش)” التحليلية عن الشبكة المُتخصّص بالتحليل الجيوستراتيجي والقضايا الأمنية والدبلوماسية ومكافحة الإرهاب، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدف عبر هذا التحالف، إلى وضع الموارد المالية للدوحة والشبكات الإفريقية القوية التي طورتها في السنوات الأخيرة لصالح إستراتيجيته، لمواجهة النفوذ الفرنسي التاريخي والتقليدي في القارة السمراء.
وفي محاولة لتنفيذ ذلك، اقتضت السياسة التركية طرح غطاء كاذب لإخفاء أطماعها، لذلك صرح مسبقا وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، أن بلاده عازمة على توسيع علاقاتها مع البلدان الإفريقية والمنظمات الإقليمية فيها، مشيرا إلى أن عدد سفارات تركيا في القارة السمراء ارتفع من 12 في عام 2012، إلى 43 سفارة في 2020.
تلك الأهداف والأطماع التركية للقارة السمراء، سبق أن كشفتها عدة تقارير، حيث لجأت مع حليفتها إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، من أجل الضغط على الأنظمة الإفريقية، واختراق القارة.
كما يستغل أردوغان الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” من أجل نشر مزاعم بشأن تقديم مساعدات إنسانية لعدد من الدول الإفريقية لتعميق تدخلها في عدد من الدول، عبر الدخول من خلال المساعدات الإنسانية والإغاثية والتعليمية.
الدور التركي الخفي في القارة، فطن إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث قال في تصريحات له نهاية العام الماضي، إن أنقرة تتبع إستراتيجية لتأليب المشاعر المعادية لفرنسا في القارة الإفريقية، عبر “اللعب على وتر نقمة ما بعد حقبة الاستعمار” في تلك الدول الناطقة بالفرنسية”.
وأضاف ماكرون: “لا يجب أن نكون سذجا، العديد من الذين يرفعون أصواتهم ويصورون مقاطع فيديو /للتظاهرات/ والحاضرين في وسائل الإعلام الفرنكوفونية يرتشون من تركيا”، مشيرا لمساعي أردوغان بتعزيز نفوذه في إفريقيا على حساب القوى الغربية للحصول مواردها الطبيعية.
ويأتي ذلك بالتزامن مع إبداء أردوغان رغبته في تحسين العلاقات مع فرنسا بنهاية العام الماضي عبر عدة تصريحات، كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن البلدين تعملان على خارطة طريق لتطبيع العلاقات، وأن أنقرة مستعدة لدعم العلاقات مع شريكتها في حلف شمال الأطلسي.
ليرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة معربا فيها عن آماله بعودة الاستقرار في القارة الأوروبية بمساهمة تركية في 2021، بحسب صحيفة “لوبنيون” الفرنسية، مضيفا أنه مستعد لمناقشة مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، موضحا أنه: “يأمل أن يكون 2021 عام عودة الاستقرار في القارة الأوروبية بمساهمة تركيا الإيجابية”.