في مشهدٍ سياسي دولي يزداد تعقيدًا مع اقتراب نهاية عام 2025، يبدو أن قواعد “لعبة الكراسي الموسيقية” بدأت تفرض إيقاعًا جديدًا على الأزمة الأوكرانية.
فمع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، دخلت الدبلوماسية الدولية نفقًا من التساؤلات حول مصير حلفاء واشنطن؛ فهل يضحي البيت الأبيض بمطالب كييف التاريخية لإبرام صفقة “القرن” مع الكرملين؟
ترامب لزيلينسكي: “لا تملك شيئًا حتى أوافق عليه”
جاءت تصريحات ترامب لشبكة “بوليتيكو” بمثابة “زلزال ديبلوماسي” قبيل لقائه المرتقب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريدا، حيث أن ترامب لم يكتفِ بالتلميح، بل صرح بوضوح أن زيلينسكي “لا يملك أي شيء” في مسار التفاوض ما لم يحصل على مباركة البيت الأبيض.
هذه النبرة الحادة تعكس تحولاً جذريًا في الإدارة الأمريكية، التي انتقلت من “الدعم غير المشروط” في عهد بايدن إلى “الوصاية السياسية” في عهد ترامب.
وترى مصادر، أن ترامب يسعى لتجريد زيلينسكي من أوراقه التفاوضية قبل الجلوس على الطاولة، لضمان أن تكون “خطة ترامب للسلام” هي المرجعية الوحيدة والنهائية.
تنازلات أوكرانية تحت الضغط
وفي محاولة لاستباق الضغوط الأمريكية، طرح زيلينسكي “خطة سلام مكونة من 20 نقطة”، وصفتها مصادر مقربة بأنها “90% جاهزة”، تتضمن الخطة نقاطًا حساسة مثل إنشاء منطقة منزوعة السلاح في دونباس وإدارة دولية لمحطة زابوريجيا النووية والاستعداد لطرح الخطة بكاملها لـ استفتاء شعبي أوكراني.
ومع ذلك، فإن رد ترامب كان باردًا، حيث أشار إلى أنه سيتحدث مع بوتين “قريبًا جدًا وبقدر ما يرغب”، مما عزز المخاوف من أن واشنطن قد تنسق مع موسكو بمعزل عن رغبات كييف الحقيقية، خاصة فيما يتعلق بالسيادة على الأراضي المحتلة.
هل “يبيع” البيت الأبيض مطالب أوكرانيا؟
وأوضحت المصادر، أن المصطلح الذي يتردد الآن في أروقة بروكسل وعواصم أوروبا هو “البيع السياسي”، والتخوف يكمن في أن ترامب، الباحث عن “إنجاز سريع” ينهي الحرب التي استنزفت الميزانية الأمريكية، قد يقبل باعتراف واقعي بالسيطرة الروسية مقابل وقف إطلاق النار، وهو ما تعتبره أوكرانيا استسلاماً وتجميد عضوية الناتو حيث تقديم ضمانات لبوتين بأن أوكرانيا لن تنضم للحلف، وهو أحد أهم مطالب الكرملين ورفع العقوبات تدريجيًا مقابل تعاون روسي في ملفات أخرى مثل الصين أو إيران.
كما أن ترامب يبرر ذلك بأن “الاقتصاد الروسي في وضع صعب للغاية”، ويعتقد أن هذه اللحظة هي الأنسب لفرض شروطه، لكن السؤال يبقى: هل شروط ترامب هي نفسها شروط زيلينسكي؟ الإجابة تبدو “لا” واضحة حتى الآن.
تحدي الاستفتاء
ويدرك زيلينسكي، أن الضغوط الأمريكية قد تجبره على قرارات “انتحارية” سياسيًا، لذا لوّح بورقة الاستفتاء الشعبي. هذه المناورة تهدف إلى إلقاء كرة النار في ملعب الشعب الأوكراني والقول لترامب وبوتين “لستُ أنا من يرفض، بل الشعب”، لكن في “لعبة الكراسي الموسيقية” التي يديرها ترامب، قد لا يجد زيلينسكي كرسيًا ليجلس عليه إذا لم يوافق على النسخة الأمريكية للسلام، خاصة مع تلميحات واشنطن بأن الدعم العسكري لعام 2026 مرهون بـ “الواقعية الأوكرانية”.
كرامة أوكرانيا بين سندان بوتين ومطرقة ترامب
بينما يتجه الزعيمان إلى فلوريدا، تبدو أوكرانيا في أضعف حلقاتها الدبلوماسية منذ بداية الحرب، أن رغبة ترامب في إرضاء بوتين لإنهاء النزاع قد تعني تحويل أوكرانيا إلى “دولة عازلة” منزوعة السيادة جزئيًا، فالأسابيع القادمة ستكشف ما إذا كانت “خطة ترامب” ستجلب سلامًا حقيقيًا، أم أنها مجرد “صفقة تجارية” يتم فيها بيع تضحيات الأوكرانيين مقابل هدوء جيوسياسي مؤقت يخدم أجندة البيت الأبيض “أمريكا أولاً”.

