في ظل المصالحة العربية مع قطر، تسعى تركيا للتقارب السياسي والدبلوماسي مع مصر بعد أعوام من الخلاف الضخم بينهم، حيث كشفت أنقرة عن محاولتها تشكيل خارطة طريق مع القاهرة.
وبنهاية ديسمبر الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة والقاهرة تعملان على تشكيل خارطة طريق لعلاقاتهما الثنائية، مضيفًا أن وزارتي المخابرات والخارجية التركية والمصرية على اتصال لتعزيز العلاقات بينهما وفق مبدأ عدم الصراع في المحافل الدولية.
ويأتي تصريح جاويش أوغلو بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبة تركيا في فتح حوار مع مصر في سبتمبر، حيث قال في تصريحات لوسائل الإعلام إنه: “لا مشكلة لدينا في الحوار مع مصر. المحادثات الاستخباراتية مع مصر مختلفة وممكنة، ولا شيء يقف في الطريق”.
بينما لم تعلق مصر رسميًا على تصريحات جاويش أوغلو، فيما نقل موقع “المونيتور” عن مصدر دبلوماسي مصري فضل عدم الكشف عن هويته، قوله إن: “القاهرة تنتظر أفعالًا فعلية، وليس مجرد تصريحات إعلامية، يجب أن تتماشى الإجراءات مع الكلمات”.
ويرى محللون ومراقبون سياسيون في مصر، في حديثهم لموقع “المونيتور”، أن التصريحات المتكررة من تركيا حول دعوات لإجراء حوار مع مصر تهدف إلى التنسيق في قضيتين رئيسيتين، هما الأزمة الليبية وقضية الغاز في شرق المتوسط.
ومن ناحيته، قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، طارق فهمي: إن تصريحات جاويش أوغلو بشأن العلاقات مع مصر لا تقول شيئًا جديدًا ، وأردوغان قد أدلى بتصريحات مماثلة بالفعل ، كما فعل مستشاره ياسين أقطاي ، من بين آخرين بهدف هو الدخول في حوار سياسي مع مصر بشأن ليبيا وشرق المتوسط.
وأضاف: “يريد الأتراك من خلال حوارهم مع القاهرة الوصول إلى تفاهمات تتعلق بقضية الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث شعروا أنهم مستبعدون من الملف عندما أنشأت مصر منتدى غاز شرق المتوسط، وأدركوا أيضًا أن مصر تخطو خطوات كبيرة في المنطقة من خلال العلاقات المختلفة والتعاون العسكري مع فرنسا واليونان وقبرص والإمارات العربية المتحدة وروسيا في وقت لاحق”.
كما أشار إلى أن الهدف من التصريحات التركية المتكررة بشأن العلاقات مع مصر هو “نقل رسائل إيجابية لمصر مفادها أن تركيا تتغير وتريد إطلاق حوار مباشر مع مصر”، مضيفا أنه من السابق لأوانه الحديث عن تفاعل مصر مع التصريحات التركية الأخيرة، لم يتغير شيء، والاستفزازات الإعلامية والسياسية التركية ضد مصر مستمرة، وعلى تركيا تغيير سلوكها في المنطقة والامتناع عن التدخل في شؤون الدول العربية، عليها وقف انتشارها العسكري في غرب ليبيا والتوقف عن إرسال المرتزقة من سوريا إلى طرابلس”.
وأوضح فهمي أن هناك مخاوف مصرية من الوجود التركي في غرب ليبيا، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتنسيق مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باتصال هاتفي، في 31 ديسمبر الماضي، حيث ناقشا الأزمة الليبية واتفقا على تكثيف التنسيق المشترك في المرحلة المقبلة بين البلدين لاستعادة الاستقرار والأمن في البلد المجاور.
فيما أكد المستشار السابق لوزير الخارجية المصري حسين هريدي أنه خلال الأشهر الماضية تصدر الحكومة التركية أحيانًا مثل هذه التصريحات التي ترحب بإعادة العلاقات مع مصر، لكن لم يكن هناك أي تأثير فعلي على الأرض. السياسات التركية تجاهنا لم تتغير.
وتابع: “لم نلاحظ أي تغيرات في السلوك التركي. أعتقد أن التصريحات ما هي إلا وسيلة لتفكيك التحالف المصري مع اليونان وقبرص والإمارات والأردن وفلسطين في شرق البحر الأبيض المتوسط وإرسال رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن برغبة تركيا في الانفتاح، لشركاء واشنطن في المنطقة”.
وأردف: “دعونا ننتظر لنرى ماهية خارطة الطريق التي تحدثت عنها تركيا، وما هي عناصرها الأساسية، ومدى جدية تركيا في تنفيذها”.
وبشأن زيادة التعاون التجاري بين البلدين مؤخرا، علق بقوله إن تعزيز العلاقات الاقتصادية والوقاية منها من الانعكاسات السلبية للخلافات السياسية أمر مهم، وإلى جانب ذلك، يعمل القطاعان الخاصان في تركيا ومصر في إطار اقتصاد السوق، والتغييرات السياسية لا تؤثر عليهما.