في مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، تصطف الأمهات في ممرات طويلة يحملن أطفالًا حديثي الولادة بأذرع مرتجفة، بعضهم يتنفس بصعوبة، وآخرون يتشاركون أنبوب أكسجين واحد في انتظار معجزة تعيد إليهم الحياة.
المشهد المأساوي الذي وصفه المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، جيمس إلدر، يلخص حجم الكارثة الإنسانية التي تضرب القطاع المحاصر منذ عامين من الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال إلدر في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” إن إسرائيل رفضت مرارًا السماح بنقل الحضانات الطبية من مستشفيات أُخليت في شمال غزة، مما ضاعف الضغط على المستشفيات الجنوبية المكتظة، حيث يضطر الأطباء إلى استخدام المعدات نفسها لعدة أطفال في وقت واحد، في مشهد يتنافى مع كل القواعد الإنسانية والطبية.
نقص حاد وأزمات متراكمة
مع استمرار القصف الإسرائيلي على شمال غزة خلال الشهر الماضي، توقفت المستشفيات هناك عن العمل كليًا، بينما تعمل 14 مستشفى فقط من أصل 36 بشكل جزئي في أنحاء القطاع.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن نحو 20% من الأطفال حديثي الولادة في غزة يعانون من نقص الوزن أو الولادة المبكرة نتيجة سوء التغذية والإجهاد الذي تعاني منه الأمهات خلال الحرب.
ويضيف إلدر أن الأطباء في الجنوب “يعيشون تحت ضغط لا يُحتمل”، حيث يتناوب ثلاثة أطفال على سرير واحد ومصدر أكسجين واحد، والأمهات يتقاسمن الأنفاس لإنقاذ صغارهن. ويقول: “شاهدت أمًّا تمسك بأنبوب الأكسجين بيدها، تمرره لطفلها ثم إلى طفل آخر بجوارها، هكذا يبدو معنى اليأس في غزة اليوم.”
أجهزة عالقة ومساعدات مرفوضة
ورغم مناشدات الأمم المتحدة لنقل المعدات الطبية من الشمال إلى الجنوب، أكد إلدر أن أربع بعثات إنسانية فشلت في الحصول على موافقة إسرائيلية لنقل الحضانات من مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة، الذي دُمِّر جزئيًا بفعل الغارات.
وتبقى تلك الأجهزة الحيوية عالقة خلف خطوط النار، في حين تصارع المستشفيات العاملة لتوفير الحد الأدنى من الرعاية لآلاف الأطفال.
من جانبه، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” أن إسرائيل رفضت أو عرقلت 45% من أصل 8000 مهمة إنسانية منذ السابع من أكتوبر 2023، الأمر الذي فاقم معاناة المدنيين وعرقل وصول الدواء والمعدات الطبية إلى المناطق المنكوبة.
أطفال يموتون في الطريق إلى النجاة
تحاول المنظمات الدولية، رغم العوائق، إجلاء الأطفال المرضى والخدج من المستشفيات المتبقية في شمال غزة إلى مناطق أكثر أمانًا في الجنوب.
لكن حتى هذه الرحلات القليلة محفوفة بالمخاطر. فقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أنها تمكنت الأسبوع الماضي من نقل ثلاثة أطفال فقط إلى مستشفى جنوبي، إلا أن أحدهم توفي قبل بدء المهمة بسبب تدهور حالته الصحية.
ويقول مسؤولو الصحة إن نقص الكهرباء والوقود جعل تشغيل الحضانات والمعدات الطبية شبه مستحيل، بينما تواجه الأطقم الطبية نقصًا حادًا في الأدوية والمحاليل الوريدية، مما يجعل الحفاظ على حياة كل طفل معجزة يومية.