منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، برزت جماعة الإخوان المسلمين كأحد أبرز الفاعلين في تأجيج الصراع، مستغلة الفوضى الأمنية والسياسية لتحقيق مكاسب سياسية وإعادة تموضعها في المشهد السوداني، مستغلة مظلة الجيش السودان المتواطئ معها.
لذا حذرت قوات الدعم السريع من تمدد جماعات الإسلام السياسي والمليشيات الإيرانية في البلاد والبحر الأحمر، معتبرة ذلك “تهديدًا خطيرًا” للأمن الإقليمي والدولي، مطالبة بضرورة التوصل إلى “حل سلمي شامل” لإنهاء الأوضاع المضطربة وإقامة دولة غير مستبدة.
الإخوان والحرب.. تحالفات عسكرية وأذرع ميدانية
وأكدت عدة تقارير، أن جماعة الإخوان المسلمين قامت بتشكيل مليشيات مسلحة، مثل “كتيبة البراء بن مالك”، التي أعلنت تحولها إلى فيلق في أبريل 2025، وشاركت بفعالية في المعارك إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
كما تم إعادة تفعيل قوات الدفاع الشعبي، التي كانت قد حُلت بعد ثورة ديسمبر 2019، لتعمل تحت قيادة شخصيات إسلامية بارزة.
ويسعى الإخوان المسلمون إلى استغلال الحرب كوسيلة للعودة إلى السلطة، مستفيدين من الفوضى الحالية لتجنب المحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت خلال فترة حكمهم، مثل فض الاعتصام في يونيو 2019 وانقلاب 25 أكتوبر 2021، ويُعتقد أن الجماعة تعارض جهود وقف إطلاق النار والتسوية السياسية، خوفًا من فقدان نفوذها ومواجهة العدالة.
الاستفادة من الانقسامات: اختراق الجيش وإضعاف الدعم السريع
وتُتهم جماعة الإخوان بتعميق الانقسامات داخل الجيش السوداني، مستغلة علاقاتها التاريخية مع بعض القيادات العسكرية لتعزيز نفوذها، كما تعمل على إضعاف قوات الدعم السريع، التي تُعتبر خصمًا رئيسيًا لها، من خلال التحريض الإعلامي والدعم العسكري للجيش.
وتحظى جماعة الإخوان بدعم من بعض القوى الإقليمية؛ مما يعزز قدرتها على التأثير في مجريات الصراع، وفي المقابل، تسعى قوى إقليمية ودولية أخرى إلى الحد من نفوذ الجماعة، خوفًا من تمدد الإسلام السياسي في المنطقة.
تحالف تاريخي تحت غطاء السلطة
وتعود العلاقة بين الجيش السوداني وجماعات الإسلام السياسي إلى انقلاب 1989، الذي أوصل نظام عمر البشير إلى الحكم بدعم مباشر من الإخوان المسلمين، وعلى مدى ثلاثة عقود، ترسخت شبكة مصالح بين القيادات العسكرية وقادة الإسلاميين، إذ اعتمد النظام السابق على “التمكين” بتغلغل الإخوان في مؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، والقضاء.
ومع سقوط نظام البشير في 2019، بدأت جهود تفكيك هذه الشبكة، لكن الحرب الحالية سمحت بعودة رموز النظام السابق، لا سيما عبر “الفلول” الذين أعادوا ترتيب صفوفهم داخل الجيش.
وفي خضم الحرب ضد قوات الدعم السريع، عاد التنسيق بين الجيش وجماعات الإسلام السياسي للواجهة، حيث يرى مراقبون أن الجيش – رغم إعلانه الالتزام بالانتقال الديمقراطي – اضطر إلى توظيف القوة التنظيمية والتمويل والكوادر القتالية التي توفرها هذه الجماعات لتعزيز جبهته العسكرية.
غير أن هذا التحالف يثير مخاوف حقيقية من إعادة إنتاج نموذج “الدولة العقائدية”، وإعادة تمكين الإسلاميين تحت مظلة النصر العسكري، وتزداد هذه المخاوف مع عودة وجوه معروفة من عهد “الإنقاذ” إلى المشهد، سواء عبر الإعلام أو مؤسسات الدعم اللوجستي للحرب.
البرهان والإخوان: تحالف الضرورة أم تقاطع مصالح؟
ورغم محاولات الفريق أول عبد الفتاح البرهان الإيحاء بالحياد السياسي، إلا أن المؤشرات على الأرض تعكس وجود تحالف ضمني بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، فمنذ بداية الحرب، لوحظ تصاعد نفوذ رموز النظام السابق في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، إلى جانب تصريحات وتصرفات توحي بتقاطع في الأهداف بين الطرفين.
كان أبرزها التوجه لعرقلة أي تسوية سياسية قد تُقصي الجماعات الإسلامية من المشهد المستقبلي، ويشير مراقبون أن البرهان يسعى، من خلال هذا التحالف، إلى ضمان دعم قوى الإسلام السياسي في معركته ضد الدعم السريع، مقابل غض الطرف عن إعادة تموضع الإخوان في مفاصل الدولة.
العودة لساحة الصراع في السودان
لذا عادت جماعة الإخوان المسلمين (وواجهاتها من تيارات الإسلام السياسي) إلى قلب الصراع السوداني من بوابة الحرب، مستغلة التحولات الكبرى في المشهدين السياسي والعسكري بعد أبريل 2023. ويمكن تلخيص آليات عودتها عبر المحاور التالية، أولها استغلال الفراغ السياسي والأمني، فبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سقطت الهياكل المدنية التي كانت تعارض التمكين الإسلامي، وتفككت المؤسسات الانتقالية، مما أتاح للإخوان فرصة العودة إلى المشهد من خلال التحالف مع المؤسسة العسكرية، مستفيدين من غياب الرقابة المدنية، وتراجع الدور الدولي في فرض التوازن داخل السلطة.
والمحور الثاني هو إعادة تفعيل شبكات التمكين القديمة، حيث عادت الجماعة الإسلامية للعمل من خلال نفس الشبكات التي أرساها نظام البشير، مثل اتحاد الطلاب الإسلاميين، ومنظمات الدعوة، والمؤسسات الخيرية، والأهم، الأجهزة الأمنية القديمة، وتم رصد نشاط مكثف لرموز الصف الثاني والثالث من نظام “الإنقاذ” في مناطق الجيش، حيث أعيد فتح بعض مقار الجمعيات الإسلامية، وعودة قيادات كانت قد اختفت بعد الثورة إلى الواجهة الإعلامية والتنظيمية.
أما الثالث هو تسليح وتجنيد: من الدعوة إلى المعركة، ففي مشهد أكثر جرأة، ظهرت ميليشيات ذات طابع ديني، مثل “كتيبة البراء بن مالك”، التي ضمت عناصر محسوبة على الإسلاميين، وشاركت في جبهات القتال تحت غطاء دعم الجيش، كما أعادت الجماعة ربط نفسها بخطاب “الجهاد”، معتبرة الحرب مع الدعم السريع معركة هوية تهدد الإسلام والدولة، وهو نفس الخطاب الذي استخدم في التسعينيات خلال الحرب الأهلية في الجنوب.
وتمثل المحور الرابع فيما تلقته جماعة الإخوان من دعم سياسي وإعلامي من قوى إقليمية ما تزال ترى في الإسلام السياسي وسيلة لمواجهة خصومها في المنطقة. هذا – وإن لم يكن معلناً في كل الأحوال – وفر مظلة للتحرك وإعادة التموضع، كما أن التحالف غير المعلن مع البرهان جاء كمقايضة: دعم الجماعة للجيش في الحرب مقابل السماح بعودتها التدريجية إلى السلطة.
مستقبل السودان بين الحرب والسلام
ومع استمرار الصراع في السودان، تظل جماعة الإخوان المسلمين لاعبًا رئيسيًا يسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حساب استقرار البلاد، ويتطلب تحقيق السلام الشامل معالجة جذور الأزمة، بما في ذلك تفكيك البنى التحتية للجماعات المسلحة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، مشاركة جميع الأطراف في عملية سياسية شاملة.