في ظل تصاعد التوترات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، أصبحت مواقف القوى الكبرى لاعبًا محوريًا في تحديد مسار هذا الصراع، ليس فقط من زاوية التوازن العسكري، ولكن أيضًا من خلال تأثيرها على مسارات الدبلوماسية والحلول السياسية.
القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا نفسها، وتركيا، تلعب أدوارًا مختلفة يمكن أن تشكل مستقبل هذا النزاع المحتدم.
الولايات المتحدة.. دعم متزايد لأوكرانيا
ما تزال الولايات المتحدة تضطلع بدور رئيسي في دعم أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا.
مع إعلان واشنطن عن حزم مساعدات عسكرية جديدة تتضمن أسلحة نوعية متطورة مثل أنظمة الدفاع الجوي “باتريوت” والطائرات المسيرة، تتزايد قدرات كييف الدفاعية والهجومية.
هذا الدعم يهدف إلى إطالة أمد الصراع، لكنه يحمل مخاطرة بتصعيد المواجهة إلى مستويات أكثر خطورة إذا شعرت روسيا أن مصالحها الاستراتيجية تتعرض لتهديد مباشر.
سياسيًا، تبذل إدارة الرئيس جو بايدن جهودًا دبلوماسية لحشد حلفائها الغربيين لدعم أوكرانيا.
ومع ذلك، تواجه واشنطن تحديات داخلية، خاصة مع تصاعد الأصوات المعارضة لتقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا.
روسيا.. التصعيد العسكري والمراهنة على الزمن
بالنسبة لموسكو، فإن مسار التصعيد العسكري يبدو الخيار الأكثر وضوحًا، حيث تسعى لتعزيز مكاسبها في الشرق والجنوب الأوكرانيين.
تعمل روسيا على تكثيف هجماتها الصاروخية والجوية، في محاولة لإضعاف البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا وإرغام كييف على قبول تسوية بشروطها.
على الصعيد الدولي، تسعى روسيا إلى تعميق شراكاتها مع قوى مثل الصين وإيران لتخفيف آثار العقوبات الغربية.
وفي الوقت نفسه، تواصل موسكو استخدام ورقة الطاقة كورقة ضغط على أوروبا، على الرغم من تراجع تأثيرها مع دخول الشتاء وتكيف الدول الأوروبية مع الوضع الجديد.
تركيا.. وسيط معقد المصالح
تلعب تركيا دورًا متوازنًا ومعقدًا بين الطرفين، على الرغم من كونها عضوًا في الناتو وتقديمها دعمًا لأوكرانيا عبر بيع طائرات بيرقدار المسيرة، تسعى أنقرة للحفاظ على علاقاتها القوية مع موسكو، لا سيما في مجالات الطاقة والاقتصاد.
تركيا تتموضع كوسيط دبلوماسي رئيسي، حيث توسطت سابقًا في اتفاقيات تبادل الأسرى وصفقات الحبوب.
ومع تصاعد التوترات، يمكن أن تعزز أنقرة من دورها كوسيط مقبول للطرفين، خاصة إذا ما استمر الجمود العسكري على الأرض.
مواقف القوى الكبرى تشير إلى استمرار حالة الجمود العسكري، حيث تدعم الولايات المتحدة تعزيز قدرات أوكرانيا الدفاعية والهجومية، بينما تراهن روسيا على الزمن والاستنزاف.
وفي هذا السياق، يمكن لتركيا أن تلعب دورًا محوريًا في تهدئة الأوضاع إذا ما تصاعدت الضغوط الدولية لتحقيق وقف إطلاق النار.
مع ذلك، فإن مستقبل التصعيد يعتمد إلى حد كبير على تطورات ميدانية غير متوقعة، مثل إمكانية استخدام أسلحة استراتيجية أو تصعيد العمليات في مناطق جديدة.
كما أن التحولات السياسية داخل الولايات المتحدة وروسيا قد تلعب دورًا في إعادة تشكيل مواقف هذه الدول.
ويبقى الصراع الروسي الأوكراني ساحة لتصارع المصالح الكبرى، حيث توازن القوى الدولية سيحدد مسار الأحداث في الفترة القادمة.
في ظل هذه الديناميكيات، من الواضح أن تحقيق حل سياسي شامل ما زال بعيد المنال، إلا إذا توافقت هذه القوى على ضرورة إنهاء النزاع وتجنب تداعياته الكارثية على النظام الدولي بأسره.