يمثل العراق، منذ الغزو الأمريكي عام 2003، نقطة تحول مفصلية في خارطة القوى الإقليمية، لم تقتصر تداعياتها على الداخل العراقي، بل امتدت لتشكل تحديًا وجوديًا للأمن العربي والإقليمي.
وقالت مصادر: إن الفشل الأمريكي في إدارة مرحلة ما بعد إسقاط النظام، وانسحابها لاحقًا تاركةً خلفها فراغًا سياسيًا وأمنيًا هائلاً، أدى إلى خلق البيئة المثالية للتمدد الإيراني الذي طالما كان طموحًا استراتيجيًا قديمًا.
وأكدت المصادر، أن هذا الفشل سمح لإيران ببناء مشروعها الأبرز على الإطلاق وهو القوس الشيعي أو الممر الإيراني الذي يربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط مرورًا ببغداد ودمشق وبيروت.
الفشل الأمريكي ومولد فراغ القوة 2003 – 2011
وأوضحت المصادر، أنه لم يكن غزو العراق وحده هو نقطة البداية، بل الفشل الذي تلاه، لقد قامت الولايات المتحدة بتفكيك مؤسسات الدولة العراقية بشكل كامل دون وجود خطة شاملة ومستدامة لملء هذا الفراغ الإداري والعسكري والسياسي، هذا الإخفاق وفر لإيران ثلاثة محاور أساسية لاختراق الساحة العراقية.
وقالت: إنه بعد تفكيك الدولة، اعتمدت واشنطن على نظام المحاصصة الطائفية؛ مما سهل على طهران دعم وتمكين الأحزاب والقوى السياسية الموالية لها، وأصبحت هذه الأحزاب، مع الوقت، جزءًا أصيلاً من النظام السياسي ومؤسسات الدولة العراقية؛ مما أتاح لإيران تأثيرًا مباشرًا على صناعة القرار في بغداد.
ووفق المصادر، ترى أن هذا الغياب العسكري الفعال والموثوق سمح بتشكيل وتجهيز الميليشيات المسلحة التي تطورت لاحقًا إلى فصائل ضمن الحشد الشعبي، و عملت إيران على تدريب وتمويل هذه الميليشيات، التي باتت تشكل، مع مرور السنوات، قوة موازية ومسيطرة على جزء كبير من المشهد الأمني والعسكري في البلاد ومع انسحاب القوات الأمريكية في 2011، أصبح فراغ القوة كاملاً، تزامنت هذه اللحظة مع اندلاع الأزمة السورية؛ مما أتاح لإيران تحريك وكلاءها من العراق إلى سوريا لحماية نظام الأسد، وبدء مرحلة الربط الجغرافي.
العراق.. الركيزة الأساسية للقوس الشيعي
وكشفت المصادر، أن العراق يُعد حجر الزاوية الذي بني عليه القوس الشيعي، حيث وفر لإيران العمق الجغرافي والسياسي اللازم للوصول إلى البحر المتوسط، ولم يقتصر دور العراق على كونه جسرًا بريًا، بل أصبح مركزًا ماليًا وبشريًا وعسكريًا لتمويل ودعم الجماعات المتحالفة مع طهران في المنطقة.
وفي سوريا، ومع اندلاع الحرب، استغلت إيران فراغ القوة وحاجة النظام السوري، ودفعت بقواتها ووكلاءها إلى دمشق والمناطق الحدودية، هذا التدخل لم يكن دفاعًا عن النظام فحسب، بل كان الهدف الاستراتيجي الأهم هو تأمين الخطوط البرية التي تربط بغداد بدمشق، وتحديدًا معبر البوكمال الحدودي.
أما في لبنان، فكان حزب الله قائمًا بالفعل، لكن النفوذ الإيراني عبر العراق وسوريا زاد من قوة الحزب وقدرته على العمل كقوة متقدمة لطهران على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وبذلك، تشكل القوس الشيعي كخط نفوذ مستمر وموحد جغرافياً يمتد من الشرق إلى الغرب.
الأهداف الاستراتيجية للقوس الشيعي
وترى المصادر، أنه لم يكن إنشاء هذا الممر العملاق مجرد عملية للتمدد الإيراني العشوائي؛ بل خدم أهدافًا استراتيجية محددة منها الردع المتقدم و ضمان أمن النظام وإدارة النفوذ الإقليمي، حيث يتيح الممر لإيران أن تصبح طرفًا لا يمكن تجاهله في أي تسوية مستقبلية تخص المنطقة، خاصة في ملفي سوريا ولبنان، مما يعزز موقفها التفاوضي دوليًا.
لم يكن فراغ القوة في العراق فراغًا أمريكيًا فقط، بل ترافق مع تراجع الدور العربي التقليدي في بغداد خلال السنوات التي تلت الغزو وانشغال الدول العربية الكبرى بصراعاتها الداخلية أو تحولات الربيع العربي سمح لإيران بالعمل دون منافسة تذكر في الساحة العراقية واللبنانية والسورية، هذا الفراغ الإقليمي كان حاسمًا في تمكين التمدد الإيراني، فعندما بدأت الميليشيات العراقية الموالية لإيران تتدفق على سوريا، لم تجد مقاومة منظمة باستثناء قوى محدودة؛ مما سرّع من وتيرة الربط الجغرافي وتحويل القوس الشيعي من طموح إلى واقع على الأرض.

