في أحدث حلقة من سلسلة التحريض ضد مؤسسات الدولة الليبية، أطلق الصادق الغرياني، المفتي السابق والمحسوب على جماعة الإخوان، تصريحات عدائية ضد القضاء الليبي، في خطوة تعكس استمرار الجماعة في تغذية الانقسام وإرباك المشهد السياسي.
الغرياني، الذي يُلقب في الأوساط الليبية بـ”مفتي الخراب”، شن هجومًا حادًا على المحكمة الدستورية العليا، واصفًا إياها بـ”محكمة الضرار”، في تشبيه ديني يستهدف الطعن في شرعيتها وتهييج الرأي العام ضدها.
هجوم مباشر على القضاء الليبي
وفي مداخلة عبر قناة “التناصح” المملوكة له، وصف الغرياني المحكمة الدستورية بأنها “باطلة شرعًا وقانونًا”، زاعمًا أنها أُنشئت بأوامر من المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح لخدمة ما سماه “مشروع السيطرة على الدولة”.
وتابع المفتي المعزول مزاعمه بالقول إن المحكمة “تحصن حفتر للترشح للرئاسة” وتمنحه غطاءً قانونيًا للهيمنة على المشهد، مضيفًا أن البرلمان الذي أقرّ تشكيلها “فاقد للشرعية” ويخدم مصالح “استخبارات أجنبية وصهيونية”.
تصريحات الغرياني أثارت ردود فعل واسعة داخل ليبيا، إذ اعتبرها مراقبون جزءًا من حملة منظمة لإضعاف ثقة الليبيين بالمؤسسات الدستورية، تمهيدًا لإحياء مشروع الإخوان الرامي إلى استعادة النفوذ عبر خطاب ديني مؤدلج.
فتاوى الفوضى.. سلاح قديم متجدد
منذ إقالته من منصب مفتي الديار الليبية في عام 2014، لم يتوقف الغرياني عن استخدام المنابر الدينية والإعلامية للتحريض على العنف ورفض المسارات السياسية.
ففي أكثر من مناسبة، دعا أنصاره والمليشيات المسلحة في طرابلس ومصراتة إلى “الخروج لمواجهة الجيش”، ورفض الانتخابات الرئاسية التي كانت الأمم المتحدة تسعى لتنظيمها، بزعم أنها “مؤامرة لإعادة النظام السابق”.
وتلك الفتاوى، التي وصفتها الأوساط الليبية بـ”الفتاوى الدموية”، كانت سببًا رئيسيًا في تمدد الفوضى وتأخر مسار المصالحة، بعدما تحولت إلى ذريعة لتبرير الاقتتال بين الليبيين وشرعنة التمرد المسلح ضد مؤسسات الدولة الشرعية.
توظيف ديني لخدمة أجندة سياسية
يرى مراقبون أن تصريحات الغرياني الأخيرة تأتي في إطار استراتيجية أوسع لجماعة الإخوان، تهدف إلى إرباك العملية السياسية وتعطيل أي تسوية محتملة، خاصة بعد فشل محاولاتها السابقة في فرض واقع سياسي جديد عبر المليشيات المسلحة.
ويؤكد محللون أن الغرياني يمثل الواجهة الدينية لتلك الجماعة، إذ يُستخدم كأداة لبث رسائلها الأيديولوجية وتبرير مواقفها المتطرفة، مقابل توفير المليشيات له الحماية داخل طرابلس وضمان استمراره في إصدار فتاوى تدعم بقاءها.
تصريحات الغرياني تأتي في وقت تكثف فيه البعثة الأممية والوسطاء الدوليون جهودهم لدفع الأطراف الليبية نحو التوافق حول القاعدة الدستورية والانتخابات، لكن الخطاب التحريضي المتصاعد من قِبل رموز الإخوان يهدد بنسف أي تقدم، ما يعيد ليبيا إلى دوامة الانقسام والفوضى التي أنهكت مؤسساتها لسنوات.