مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها وثائق سرية مسربة، وهي وجود ديون سوريا لإيران وتتجاوز 50 مليار دولار، وانعكاس ذلك بحالة قلق في طهران إزاء عدم القدرة على تحصيلها، وهو ما كان أمرا سريا لعدة أعوام.
وجاء ذلك فيما نشرته مجموعة الهاكرز المعروفة باسم “ثورة حتى الإطاحة بالنظام”، المقربة من “منظمة مجاهدي خلق”، والتي أعلنت الأسبوع الماضي أنها اخترقت أنظمة وزارة الخارجية الإيرانية، وأن هناك وثائق في الأيام الأخيرة تقول إنها حصلت عليها في هذا التسلل السيبراني.
وتشير الوثائق التي نشرتها هذه المجموعة، في حال صحتها، إلى أن الميزانية التي أنفقتها إيران في سوريا تزيد عن التقديرات السابقة وتتجاوز “50 مليار دولار”.
وفي 7 مايو، أعلنت مجموعة الهاكرز “ثورة حتى الإطاحة بالنظام” أنها اخترقت مواقع وأنظمة وزارة الخارجية الإيرانية، وحصلت على عدد كبير من وثائقها وقواعد بياناتها، وبعد ساعات قليلة، اعتبر ناصر كنعاني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن هجوم القرصنة غير مهم أو مؤثر، وقال في تصريحات غامضة: “الوثائق التي تم نشرها في الفضاء السيبراني”، حسب قوله، “لا يمكن الاعتماد عليها، ولا علاقة لها بأحداث اليوم، وهي مجرد مبالغات لوسائل الإعلام”.
وخلال هذه الأيام الأربعة، نشرت “ثورة حتى الإطاحة بالنظام” المزيد من الوثائق على قناتها على “تليغرام”. لكن الوثائق التي تم نشرها على هذه القناة في اليومين الماضيين تناولت بشكل أساسي قضية سوريا والعلاقة بين طهران ودمشق.
وأثير موضوع ديون سوريا لإيران على الساحة العامة، في السنوات القليلة الماضية، أكثر من أي وقت مضى. وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها عضو في البرلمان أن الديون تتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار دولار.
فيما كان حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قد ذكر هذا الرقم لـ”اعتماد أونلاين” في مايو 2020.
وقبل حوالي 10 أيام، أثار حشمت الله فلاحت بيشه هذا الموضوع، مرة أخرى، وقال لـ”تجارت نيوز”: إن “سوريا مدينة لإيران بـ30 مليار دولار، وآمل أن يتم تحديد مصير هذا الدين خلال زيارة رئيسي إلى دمشق، إذ إن روسيا حصلت على ديونها من سوريا، لكن طهران لم تحصل” .
وتتضمن الوثائق التي نشرتها مجموعة القرصنة “ثورة حتى الإطاحة بالنظام” جداول أعمال الاجتماعات المقترحة التي أعدتها المجموعات الفرعية التابعة لمجلس الأمن القومي الإيراني لمناقشتها في الاجتماعات الرسمية لهذا المجلس.
وفي إحدى الوثائق المتعلقة بـ”أكتوبر 2021″، قُدر إجمالي ديون سوريا لإيران بأكثر من 50 مليار دولار: “من عام 2012 إلى نهاية عام 2020، تم إرسال أكثر من 11 مليار دولار من النفط إلى سوريا.
وبالوقت نفسه، وبحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار الأجنبي الإيرانية “IFIC” المسؤولة عن جمع الأرقام، بالنظر إلى المساعدات العسكرية والنقدية وغيرها، يقدر إجمالي الدين السوري بنحو 50 مليار دولار أو أكثر”.
وبحسب الوثائق المنشورة، فقد ورد في جدول أعمال اجتماع مجلس الأمن القومي عدة مرات أن الاتفاقية المهمة الموقعة بين إيران وسوريا عام 2018 “لم ولن تتم الموافقة عليها من قِبل برلماني البلدين؛ لأن السوريين لا يريدون أن تضر هذه الاتفاقية بنفطهم المجاني، ومجلس الأمن القومي غير مستعد لإرسالها إلى البرلمان بسبب عدة بنود سرية في هذه الاتفاقية”.
وتم توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي الإستراتيجي طويل الأمد في يناير (كانون الثاني) 2018 بين إسحاق جهانغيري، النائب الأول لحسن روحاني، وعماد خميس، رئيس وزراء سوريا آنذاك، في دمشق، ورافقتها دعاية واسعة النطاق في إيران .
ومع ذلك، وفقًا للوثائق المنشورة، لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقية مطلقًا، وفي أحد جداول أعمال الاجتماع، تم الإعراب عن القلق من أنه في حالة عدم الموافقة على هذه الاتفاقية في برلماني البلدين، فإن إمكانية المتابعة القانونية للديون سوف تضيع تماما.
وكانت زيارة إبراهيم رئيسي إلى سوريا خلال مايو الجاري مصحوبة بالكثير من الدعاية مرة أخرى، وشدد مسؤولو النظام الإيراني، بمن فيهم إبراهيم رئيسي نفسه، مرارًا وتكرارًا، على أن القضايا الاقتصادية هي “الروح الحاكمة” على المفاوضات خلال هذه الرحلة.
ومع ذلك، وكما أشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من قبل، فإن السوريين لم يكونوا مستعدين للتوصل إلى نتيجة في الاجتماع الأول، وأجلوا الاجتماع إلى الجولة التالية للتشاور.
وفي إحدى الوثائق التي نشرتها مجموعة الهاكرز المقربة من منظمة المجاهدين، تمت الإشارة في جدول أعمال الاجتماع إلى “الخوف من تكرار قضية البوسنة في الشأن السوري”، وربما تشير هذه الجملة إلى إنفاق طهران مبالغ ضخمة في حرب البوسنة والهرسك، وطرد إيران أو على الأقل اختفاء دورها في ذلك البلد في السنوات التالية.