رغم الأعباء الاقتصادية الجمة على كاهل المواطن الإيراني، ولكن الحكومة ما زالت تتجاهله بصورة مخزية؛ إذ ترفع نفقات الجانب الأمني والعسكري، بهدف تعزيز اقتصاديات الحرس الثوري الإيراني، الذي يقود سياسات طهران الإقليمية، وتعميق نفوذها الخارجي في عدة مناطق باليمن وسوريا ولبنان.
كما تهدف أيضا إلى تأمين وحماية النظام الذي يواجه احتجاجات عنيفة ومتواصلة منذ سبتمبر العام الماضي، حيث يؤشرّ واقع الحال إلى أزمة بنيوية في هياكل المؤسسات الإيرانية، الأمر الذي تفاقمه نسبة التضخم التي وصلت لـ46.5% في العام الإيراني المنتهي في 20 مارس الماضي.
وظهر ذلك التضخم في بيانات البنك المركزي، مؤخراً، كما كشفت موازنة إيران عن طبيعة النفقات وتوجهاتها، يكشف عن صعوبات جمّة تضاف إلى أعباء المواطن في طهران.
فيما تتزايد الاحتجاجات الفئوية نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وفقدان الكثير من الامتيازات الاجتماعية والخدمية، ناهيك عن تدني الأوضاع الحقوقية المدنية والسياسية وحتى الثقافية.
وأكد مركز الإحصاء الإيراني أنّه “نظراً لتغيير تركيبة سلة المستهلك بمرور الوقت، فمن الضروري تغيير السنة الأساس في فترات زمنية محددة، بناء على توصيات دولية”. وقال المركز: “وعلى هذا الأساس، فإنّ عملية تغيير السنة الأساس، التي بدأت عام 2021 بمركز الإحصاء الإيراني، وصلت إلى مراحلها النهائية، وسيتم الإعلان لاحقاً عن آخر نتائج مؤشر الأسعار للمستهلك بناء على السنة الأساس الجديدة”.
بينما هناك أسباب متعددة للأزمة الاقتصادية الحالية في إيران، منها الفساد البنيوي في هياكل الاقتصاد الإيراني، ما يعد “الأهم والأكثر تأثيراً على المواطنين العاديين”، وفق عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي.
ويرى عقبائي أنّ إيران تعاني من سوء إدارة وتوزيع النفقات التي تتضاعف لحساب “الأمن” و”الحرس الثوري” وغيرهما من القطاعات الأمنية، مضيفا أنّ ذلك قد أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وزيادة مستوى التضخم على نحو كبير.
وفي ما يتعلق بتنامي النسب المخصصة لنفقات الحرس الثوري الإيراني، أكد عقبائي أنّ التضاعف المستمر في هذا الاتجاه إّنما يؤثر، بشكل كبير، على المواطنين العاديين في إيران، خاصة الفئات الفقيرة والمحرومة التي تعاني من صعوبات كبيرة في الحصول على الخدمات الأساسية.
وتكاد لا تختلف توقعات ممثلي الحكومة الاقتصادية عن ما تردده المعارضة، حيث رجح، في وقت سابق، عضو لجنة الصناعات في البرلمان الإيراني، مرتضى حسيني، ارتفاع التضخم لنحو 40% في موازنة العام الجديد. وقال: “بهذه الأوضاع الحالية، قد نشهد زيادة في التضخم تصل إلى 60% في بعض السلع”.
وسبق لرئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أن اعترف في لقاء تلفزيوني، بإخفاق الحكومة في مسألة توفير احتياجات المواطنين وتحسين ظروف حياتهم على خلفية العجز في الموازنة، وكذا التضخم. مع الأخذ في الاعتبار أنّ تصريح قالبيقاف على وجاهته يعد ضمن مواقفه المتشددة التي يتخذها في إطار خصومته أو بالأحرى تنافسه السياسي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وقال قالبيقاف: “نقبل أنّنا لم نتمكن من دعم وتغطية نفقات المواطنين بما يتناسب مع التضخم، لاسيّما الشريحة الضعيفة من المجتمع”.
وعلى هامش هذا المشهد الاقتصادي الصعب والمرير الذي يقع تحت وطأة عوامل عديدة، منها العزلة الدبلوماسية لإيران والعقوبات الأميركية، احتشدت قطاعات عديدة للاحتجاج بعدة مناطق على خلفية تدني أوضاعهم الاقتصادية، والمطالبة بزيادة رواتبهم.
وقد أعلن “اتحاد المتقاعدين” في إيران تأييده للتظاهرات، بينما طالب بالاصطفاف بين المحتجين. وقال الاتحاد في بيان: “الآن بعدما تم الكشف عن فضيحة المجلس الأعلى للعمل في تنسيقه مع الحكومة وأصحاب العمل، فما من سبيل آخر سوى الاحتجاج في الشوارع والإضراب”.