خلف الأفكار والادعاءات التي يروج لها تنظيم الإخوان المسلمين عالميا، هل تساءلت يوما عن اعتمادها فقط على الإسلام لإعداد الشباب والتنظيم؟، إذ تأثرت بالتيارات والأفكار والجماعات الإشكالية القديمة في الثقافة العربية والإسلامية، وأيضا واكبت بعض الإنتاج المعرفي الغربي واطلعت عليه، خصوصاً في مجال التنمية البشرية وعلم النفس، وذلك بهدف التمكن من أدوات الإقناع والتجييش لأيديولوجيتهم ونوع تديّنهم.
وهو ما كشفته دراسة حديثة نشرها مركز “تريندز للبحوث والدراسات”، إذ قالت إنّ جماعة الإخوان هي جزء من ثقافتها، فهي، مثلها مثل أيّ أيديولوجيا، حصيلةٌ لبعض مكونات بيئتها وموروثها الثقافي، ولكنّها كتنظيم تخضع لعمليات التأثير من حيث أساليب عملها بالتنظيمات المعاصرة لها في العالم، عكس ما يدعيه الإخوان بأنّ تدينهم قائم بالكليّة على فهمهم الصحيح للإسلام كمصدر وحيد لإعداد شبابهم.
وتهدف الدراسة لاختبار مدى جديّة ظاهرة مواكبة الجماعة الإنتاج المعرفي الغربي وتأصلها في جماعة الإخوان، موضحة أنها بدأت من اللائحة العامة للمنهاج الثقافي للإخوان، المنشورة في مجلة التعارف، العدد 23، الصادر في 6 مارس 1940، والتي قال فيها: إنّ جماعة الإخوان فرضت تلك اللائحة على من يرغب من الإخوان في أن يصبح داعية باسمهم.
وتحدّد اللائحة الكتب التي يجب على من يكون داعية قراءتها في مجال العقائد والحديث والسيرة، فضلاً عن قائمة من الكُتُب في الفلسفة وعلم النفس، إذ كان يُطلب من الدعاة في الدورات التدريبية “كتابة تقرير عن الحالة الاجتماعية للريف المصري من واقع قرية أو بندر مع ذكر وسائل النهوض به”، فضلاً عن قراءة كتب تنتمي لمجال العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية، “مع التطبيق على الحالة الحاضرة في مصر خاصة والعالم، وخاصة العالم الإسلامي”.
كما يُطلب منهم، بحسب الدراسة، تحضير 10 محاضرات، منها خطب منبرية بناءً على قراءتهم للكتب السابقة، وأيضاً للكتب الآتية: “إصلاح الوعظ” لمحمد الخولي، و”الخطابة” لمحمد أبو زهرة، ويؤكد كاتب الدراسة أنّه من بين الكتب التي كان يجب على المتدربين قراءتها أيضاً، والتي تكشف عن التوجهات الفكرية الإخوانية، كتاب “الرد على الدهريين” لجمال الدين الأفغاني، وكتابان لمحمد رشيد رضا، وهما “خلاصة السيرة وملخص الدعوة” و”الوحي المحمدي في فلسفة الإسلام”، وكتاب “طبائع الاستبداد” لعبد الرحمن الكواكبي.
وأيضا يتمّ فرض كتب تنقد الاستشراق وتمثلات الإسلام والمسلمين في الكتابات الفكرية الغربية، وكتب يمكن أن نفهم من خلالها نوعية تدين الإخوان وأيديولوجيتهم مثل الكتب التي تتناول تاريخ الخوارج، وكتب تنتقد الصوفية.
ومن بين الكتب التي يُفرَض قراءتها على المتدربين أيضاً كتب في التاريخ وكتب أخرى تربط بين العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة كالطب، ويتزامن ذلك مع محاضرات لحسن البنا كانت تُسمّى “حديث الثلاثاء… دروس متتابعة في الثقافة العامة”، وكانت تُعقد بدار الإخوان المسلمين بميدان الحلمية الجديدة، بعد صلاة العشاء من كل يوم ثلاثاء.
وبحسب الدراسة، فقد سبق تلك الدورات إعداد منهج متكامل لإعداد الدعاة ثقافياً، وتولى البنا إعداد هذا المنهج بنفسه، ويقال إنّه عرضه على مجموعة من علماء الأزهر لاستطلاع رأيهم، وكان من بين هؤلاء الشيخ إبراهيم الجبالي الذي أرسل إليه البنا المنهج المنشور في تلك الدراسة مع خطاب مرفق به.
وفي الخطاب طلب البنا من الشيخ إبراهيم الجبالي إبداء رأيه في المنهج المشار إليه، وفي مدى ملاءمة المواد المختارة له، وما يمكن أن يزيد عليه أو ينقص منه لنشر الثقافة في الأمّة، وذلك في إطار رغبة الجماعة في تثقيف بعض أعضائها تثقيفاً خَاصّاً، بما يمكنهم من النهوض “بعبء الدعوة، ونشر الخير بين طبقات الأمّة”.
وهو ما يثبت أنّ جماعة الإخوان لم يكن لديها في تلك الفترة أيّ غضاضة، لا في التعاون مع الأزهر من ناحية، ولا في تكوين دعاتها من خلال كتب غربية في مجالات الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ، من ناحية أخرى، بما قد يخدم الجماعة في تحقيق أهدافها، وبحسب الدراسة فقد شُكلت في بداية عام 1940 لجنة البنا برئاسة البنا، وقد اعتمدت اللائحة العامة للمنهاج الثقافي للإخوان، (مرفقة في الدراسة وثيقة رقم 2)، كما وفرت الكتب المفروض على المتدرب قراءتها للبيع بالتقسيط في المركز العام، وتكفل محمد علوي عبد الهادي، سكرتير اللجنة، بشرح غاية المنهج وأغراضه ووسائله في مقالات له بمجلة التعارف، ومن أهم ما جاء فيها، أنّ دعوة الإخوان هي دعوة “الإسلام في القرن الـ (20)”، وهو ما يشكل اختزالاً للإسلام في الإسلاموية واحتكاراً للتحدث باسمه.
كما جاء فيها أنّ الغاية القريبة التي تسعى إليها الجماعة في تلك الفترة هي “إفهام هذا الشعب المؤمن حقوقه وواجباته التي أوجبها له أو فرضها عليه “الإسلام” (كما يفهمه الإخوان أو كما يريدون استخدامه)، واعتبار العلم الوقود الذي تتحقق من خلاله أهداف الإخوان المسلمين.
ولفتت الدراسة إلى أنّ الفكرة الرئيسية لهذا المقال تتلخص، كما يقول البنا، في أنّ الدعوة إلى الله (دعوة الإخوان) “فرض لا مناص منه إلا بالأداء”، وأنّ “الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وأنّ “الناس في كل زمان ومكان على دين رؤسائهم وأولي الحكم”.
خُلاصة
كما استندت الدراسة على مجموعة من الوثائق التي تبيّن المدى الذي من الممكن أن تكون جماعة الإخوان المسلمين قد تأثرت به من الإنتاج المعرفي الغربي في مجالي العلوم الإنسانية والاجتماعية في التنظير وفي هيكلة أيديولوجيتها، وكيف قرأ البنا وجماعة الإخوان مفكرين غربيين.
وأكدت أنّه لم يكن لدى جماعة الإخوان في مراحلها الأولى أيّ حساسية من اللجوء إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، بشكل علني لإعداد دعاتهم، والاستفادة من تلك العلوم لتحقيق أهداف الجماعة، ممّا يدحض ما تصدره جماعة الإخوان عن نفسها، من أنّ تدينها قائم بالكليّة على فهمها الصحيح للإسلام، وتماميّة ذلك الفهم، ليكون مصدراً وحيداً لإعداد شبابهم ولرؤيتهم للعالم ولسلوكياتهم في الشأن العام، وصولاً إلى حكمهم على الآخرين.