سرعان ما اشتعلت الأزمات بين جبهات الإخوان بعد إعلان جبهة لندن في جماعة الإخوان قرارات تعيين الدكتور صلاح عبد الحق قائماً بعمل مرشد الجماعة، خلفاً لإبراهيم منير الذي توفي في ٤ نوفمبر الماضي، بعد تأخر نحو ٤ أشهر من اختياره؛ بسبب الخلافات الداخلية المحتدمة داخل التنظيم.
وبعد أيام معدودة من ذلك، خرج محمود حسين، الممثل عن جبهة إسطنبول، الذي يسمّي نفسه أيضاً قائماً بأعمال المرشد، في لقاء تلفزيوني الثلاثاء على إحدى المنصات التابعة لتنظيم الإخوان، ليبث العديد من الرسائل للإخوان في الداخل والخارج، بهدف دعم موقفه في أزمة الصراع القيادي المحتدم، والتأكيد على عدم قبوله للقرار المعلن مؤخراً، ممّا يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة من الصراع بين جبهتي الإخوان، ربما ستكون أكثر ضراوة على حدّ تقدير مراقبين.
وفي الرسالة الأولى التي أكد عليها حسين خلال حواره الذي استمر قرابة الساعة، هي تدعيم نفسه في منصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان دون منازع، مستشهداً بلوائح التنظيم التي تعطيه الحق منفرداً في تولي المنصب باعتباره العضو الوحيد خارج السجون من قيادات مكتب الإرشاد، ورغم أنّه تجاهل الحديث عن قرار (لندن) الأخير، إلا أنّه ركز على تهميش دور صلاح عبد الحق بالتلميح حول فقدان بعض قيادات التنظيم للكفاءة والقدرة على إدارة مهام بسيطة داخل الإخوان، وهو الاتهام الذي غالباً ما يوجه لصلاح عبد الحق.
كما حاول محمود حسين خلال حديثه بعث رسائل خاصة لإخوان الداخل في مصر، وتحديداً الشباب، وهذه ليست المرة الأولى التي يخاطب فيها حسين الشباب ويعدهم بالتمكين داخل التنظيم، والسبب في ذلك يعود إلى محاولة استمالة الفئة الغاضبة عليه، خاصة من إخوان الداخل المصري، وقد أقر حسين منذ نوفمبر الماضي تشكيل عدد من اللجان تتولى إدارتها بشكل كامل قيادات شبابية.
وقال حسين خلال اللقاء: إنّ “العدد الأكبر من شباب الإخوان داخل مصر، والأولوية للكفاءة، ولا يوجد تفرقة بين شاب وشيخ، والقاعدة عندنا إذا تساوى الشيخ مع الشاب في الكفاءة قدّمنا الشباب، والشباب في الخارج تعرضوا لأزمات كثيرة نتيجة الهجرة وقلة فرص العمل وقلة المحاضن التربوية، وهذه أزمات يتشارك فيها الشيوخ مع الشباب في المهجر، ونسعى لحل مشاكل الشباب في المهجر وفقاً للإمكانات المحدودة، ولكنّنا نعطي الأولوية لمعالجة مشاكلهم”.
كما كرر أكثر من مرة رسالة تهدف إلى تهميش جبهة لندن المنافسة له، والتأكيد على أنّ الصراع محسوم لصالحه استناداً للوائح التنظيم، وأيضاً محاولة الترويج لشرعية زائفة بتصدير صورة حول هياكل التنظيم الوهمية، إذ قال إنّ “جماعة الإخوان المسلمين تديرها مؤسسات؛ بدءاً من مجلس الشورى العام الذي هو أعلى سلطة بالجماعة، بالإضافة إلى المؤسسات التنفيذية، ومجلس الشورى العام يمارس مهامه وهو مجلس منتخب يمثل كل محافظات مصر، وينتخب مكتب الإرشاد من بين أعضائه”.
وتابع: “اللوائح تضع آليات لتعويض أيّ نقص في أعضاء الشورى، وقد انعقد المجلس عشرات المرات منذ الانقلاب والجميع يعلم هذا، الأزمة الأخيرة في الجماعة لم تحدث نتيجة قصور في اللوائح، ولكنّها حدثت بسبب عدم التزام البعض بهذه اللوائح والقواعد.
كما حمل لقاء حسين رسالة أخرى تتعلق بمحاولة التبرّؤ من العنف الذي مارسه التنظيم منذ عام 2013، وهي محاولة مستمرة لتبييض وجه الجماعة المتهمة بالعنف خلال الفترة الماضية، قائلا: “جماعة الإخوان المسلمين لم تنجرف للعنف، وتصرفات أفراد خرجوا عن منهج الجماعة لا تحسب عليها”، كما زعم حسين أنّ “جماعة الإخوان لم تدخل في صراع مع الجيش، ولكنّها فقط سعت لتحقيق إرادة الشعب في إقرار حقه في الحرية والعدالة والعيش واختيار من يحكمه”، على حدّ زعمه.
ويرى مراقبون أن الحوار الذي أجري مع محمود حسين قبل أيام تم بناءً على رغبته، من أجل صياغة بعض الرسائل للردّ على قرار اختيار صلاح عبد الحق قائماً بأعمال مرشد الإخوان من جانب جبهة لندن، إذ يهدف إلى قطع الطريق على قرار جبهة إبراهيم منير باختيار صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد، وأيضاً يحاول محمود حسين من خلال الحوار مخاطبة عناصر التنظيم لاستمالتهم إلى جبهته، في وقت تحتدم فيه الصراعات داخل تنظيم الإخوان التي وصلت إلى ذروتها.
وأكدوا أن أغلب القضايا التي تحدث فيها محمود حسين لم يكن صادقاً فيها، وليست في توقيتها، لكنّ الهدف الرئيسي هو محاولة قطع الطريق أمام جبهة لندن لفرض اختيارها على التنظيم، وهنا يمكن القول إنّ حسين قد حاول المتاجرة بأزمات الإخوان بهدف حسم الصراع لصالحه، وربما يؤشر هذا التطور إلى تفريغ الجماعة من كافة شعاراتها السابقة وبرامجها إلى الخلافات، وهذا يُعدّ دليلاً جديداً على تطرف التنظيم وعدم امتلاكه أيّ مشروع حقيقي، كما زعمت الجماعة على مدار أعوام طويلة.