أثيرت تساؤلات وأزمات عديدة بين الإخوان بعد إعلان جبهة لندن في جماعة الإخوان قرار تعيين الدكتور صلاح عبد الحق قائماً بعمل مرشد الجماعة، خلفاً لإبراهيم منير الذي توفي في ٤ نوفمبر الماضي، بعد تأخر نحو ٤ أشهر من اختياره؛ بسبب الخلافات الداخلية المحتدمة داخل التنظيم.
وعقب ذلك التعيين، أعلنت جبهة إسطنبول أن ما ذكر عن انتخاب صلاح عبدالحق قائما بأعمال المرشد العام كاذب واصفة ما حدث بالمحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة الإخوان أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات مدّعاة بعيداً عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة.
وقالت الجبهة إن جماعة الإخوان لها مجلس شورى عام من الداخل والخارج، وهو الذي اختار الدكتور محمود حسين قائما بأعمال المرشد العام، وشكل هيئة إدارية جديدة في ديسمبر الماضي مؤكدة أن هذا شأن مصري خالص تم وفق قواعد ولوائح الجماعة.
وبعد الإعلان عن خطة عمل عبد الحق القادمة، بعد تجاهل استمر سنوات لشباب الإخوان، واتهامات من الشباب لقيادات التنظيم في الخارج بالتخلي عنهم والانشغال بالخلافات وصراع المناصب، ويرى باحثون في الشأن الأصولي، أن حديث صلاح عبد الحق عن الشباب هو محاولة لجذب داعمين له، في ظل رفض (جبهة إسطنبول) لتنصيبه قائماً بالأعمال.
ووفق مراقبين فإنه من الطبيعي أن يحاول صلاح عبد الحق جذب داعمين له وبخاصة من الشباب، في ظل رفض (جبهة إسطنبول) تنصيبه قائماً بالأعمال، وأرجعوا سبب تأخر إعلان تنصيب عبد الحق إلى وجود حالة رفض بين شباب الإخوان في الخارج لعدم الاختيار من بينهم، وتفضيل الأعمار الكبيرة في الاختيارات.
ولفتوا إلى أن محمود حسين تعامل بشكل غير مقبول مع الشباب خلال السنوات الماضية، بينما حاول إبراهيم منير احتواءهم في مرحلة من المراحل، وكان لدى الشباب أمل أن يكون لهم مكانة داخل (جبهة لندن) بعد وفاة منير؛ لكن هذا لم يحدث؛ لأن الأمر مرتبط بتراث التنظيم، وأن الأفضلية دائماً للكبير الذي يمتلك الخبرة والتجارب.
وكانت (جبهة لندن) حاولت استقطاب (شباب الإخوان في الخارج) من قبل، عندما شعرت بقلق منهم، وعيّن إبراهيم منير قبل وفاته صهيب عبد المقصود متحدثاً باسم (الإخوان)، لنفي أي اتهامات بالتخلي عن الشباب وعدم إشراكهم في المناصب، لكن بعض الشباب ما زال يرى أن (قيادات الخارج) مُقصرة في حقهم، وحق التنظيم، الذي يتصارعون عليه لتحقيق مكاسب شخصية.
ويرى خبراء أنه من الطبيعي أن يكون هناك احتواء من عبد الحق للشباب؛ لكن حتى هذا الاحتواء عملياً لم يتحقق، والأمر مُجرد تحصيل حاصل، وكان من الممكن أن يتحقق ذلك، لو تم اختيار قائم بأعمال المرشد من بين قيادات الجيل الوسط، وأن شباب الخارج لديهم مشاكل في الإقامة وأزمات نفسية ومعيشية، وليس هناك مشروع سياسي للتنظيم يحقق طموحات الشباب، فضلاً عن تعمق الخلافات بين الشباب و(قيادات الخارج).
وفي نهاية فبراير الماضي، طالب 20 شاباً من الموالين لجبهة لندن بمطالب لضمان عودة التنظيم من جديد وتجاوز الخلافات بين قياداته، ومن بينها تشكيل (مكتب إرشاد جديد للتنظيم) يكون بتوافق من عناصر (الإخوان)، وإعداد لائحة جديدة لا تُجامل مجموعة على حساب أخرى وتضع حلولاً للمشاكل الداخلية للتنظيم، وحصر أموال التنظيم وتقنينها رسمياً؛ مما لا يدَع مجالاً لإيداعها مع أفراد بعينهم.
وكشف مصدر على صلة بتحركات الإخوان عن تواصل عبد الحق مع الشباب في الخارج خلال الأيام الماضية كان ضعيفاً، فعبد الحق وغيره من قيادات التنظيم تعودوا على توجيه الأوامر للشباب فقط، بعيداً عن تقبل تصوراتهم، وجميع نصائح الشباب للقيادات أو (بمعنى أدق مطالبهم)، لن تلقى أي اعتبار لدى القادة، وبخاصة التاريخيون داخل التنظيم.
وفي فبراير عام 2019 ظهر أول خلاف بين شباب تنظيم (الإخوان) في الخارج وقيادات الخارج، وبخاصة المقيمة في إسطنبول، عقب ترحيل الشاب محمد عبد الحفيظ (المحكوم عليه بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري الأسبق) إلى مصر، وفي أبريل 2021 عقب الحديث عن التقارب المصري – التركي، أبدى بعض شباب التنظيم الصادرة بحقهم أحكام قضائية بمصر تخوفات من الترحيل للقاهرة، وبخاصة مَن ليس لديهم دعم من قيادات (جبهة إسطنبول).
وفي أعقاب ذلك الإعلام عن القائم بالأعمال الجديد، أطلق شباب التنظيم تمرداً جديداً بسبب اختيار صلاح عبد الحق، بسبب أسلوب التعيين في التنظيم عن طريق وصيّة الراحل إبراهيم منير، وليس عن طريق الانتخاب المباشر، ومن المتوقع أن يشهد التنظيم تصعيداً شبابياً في القريب العاجل، خاصة في ظل محاولة الضغط عليهم محلياً وخارجياً، ما يرجح حدوث انشقاق جديد داخلها، ولكن هذا الانشقاق سوف يحدث داخل جبهة إبراهيم منير، وليس داخل التنظيم بين الجبهتين الكبيرتين، وهو ما نعده انشقاقا على الانشقاق الحادث، وفق منير أديب.
ويعتبر القائم بأعمال المرشد الجديد متهما في قضية تنظيم سيد قطب رقم 33، فيما كان لا يزال طالبا في كلية الطب جامعة عين شمس، وحكم عليه -آنذاك- بعشر سنوات سجنا قضاها، ثم سافر لسلطنة عمان في بداية مرحلة انتشار الإخوان بالخليج، ثم استقر في السعودية فترة طويلة.
كما ينتمي لجيل الستينيات فلقد حضر محنة السجن (في عرف الإخوان)، ويمتاز بمحاضراته التربوية والدعوية، ولم يُعرف عنه توليه مناصب إدارية عليا في التنظيم، وهو عضو مجلس شورى الجماعة ولم ينخرط في أي صراع على القيادة أو على الأموال.
بينما لم يُعرف عنه رأي فقهي أو سياسي مخالف لاختيارات الجماعة، وتولى بعض الأعمال التربوية في التنظيم الدولي، ولم يعترف بأخطاء الجماعة ولم يراجع أفكاره، وتولى أعمالا تربوية ودعوية لعناصر الإخوان، والتي يتم ترسيخ فيها مبادئ الجماعة وثوابتها.
ويعتبر صلاح عبدالحق من منظري الإخوان المسلمين ومؤرخيهم ومسؤول التربية بالتنظيم، والرئيس الأسبق لجهاز التربية في التنظيم العالمي، وكان اختياره بهذا المنصب بسبب وصية المدعو إبراهيم منير والتزم بها مجلس الشورى التابع لجبهة إبراهيم منير.
ومن المرجح، وفقا للمراقبين أن يكون إبراهيم منير كتب هذه الوصية ليتفادى أي انشقاق يحدث في جبهته عقب وفاته على منصب القائم بأعمال المرشد، حيث فيما يبدو أنه كانت لديه شكوك حول حدوث خلافات بين محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، ومحمد البحيري حول المنصب.
ولم يتولى عبد الحق أي مناصب رفيعة المستوى داخل التنظيم، وهو كان مسؤول التربية داخل الإخوان، ولكن الصراع داخل جبهة لندن لن يهدأ باختيار عبد الحق، إذ سيوجد خلاف داخل جبهة لندن بسبب أن عبد الحق قد يكون شخصية توافقية؛ إلا أنه يفتقد للإدارة، فلم يتولَّ أي منصب إداري في التنظيم من قبل، وهو شخص قد يتسع صدره للجميع، وهذا قد يدفع بعض قيادات لندن إلى التدخل في مهامه، وإصدار قرارات باسمه، بحسب المراقبين.
ويرون أن منير اختار عبد الحق لأنه يشبهه في شخصيته، ولكنه سوف يعمّق الانقسامات داخل الإخوان بشكل عام وليس مجموعة لندن فقط، فهو شخص لا يتمتع بأي حس قيادي، ولم يعرف القيادة يوماً، لذا أصر إبراهيم منير على أن يقضي على التنظيم مرتين، مرة في حياته عندما فجر خلافاته مع عضو مكتب الإرشاد وأمين عام الجماعة محمود حسين، فانشق التنظيم نصفين، ومرة أخرى بعد وفاته، عندما أوصى باختيار قائم بعمل المرشد لا يتمتع بأي قدرات إدارية أو تنظيمية. كما أن صلاح عبد الحق، ليس لديه مشروع فكري ولن يكون قادراً على حسم أي خلاف داخل التنظيم، وهو ما سوف يُعطي مساحة أكبر للمتحولقين حول الرجل، وبالتالي سوف تتضارب القرارات داخل التنظيم، نظراً إلى عدم وجود قائم بعمل المرشد قادر على الضبط والحزم وفي الوقت نفسه شخصية الرجل غير مؤهلة للقيادة، وهو ما يجعل أكثر من قيادة تتدخل بالقرارات والتأثير فيه، وهو ما يزيد من الانقسام والتشظي.