أزمات طاحنة تفتك بتنظيم الإخوان الدولي منذ عام 2013، أي بعد الإطاحة به من مصر وكشف مخططاته الإرهابية لتظهر أجندته السوداء بالعديد من البلدان العربية، ليتم القبض على عدد من قياداته بينما فرّ آخرون خارج البلاد بين تركيا وبريطانيا وعدد من البلاد الأخرى لتكوين تشكيل جديد، ولكن ما لبثت بعض تلك البلاد أن تخلت عنهم وانتشرت سموم الجماعة نفسها بين عناصرها التي تناحرت لأجل القيادة فتفكك وانقسم الإخوان على يد القيادات، لتظهر عدة تيارات ومحاولات لإنشاء مكاتب إرشاد عدة وصعوبة بالغة في اختيار القائم بأعمال المرشد.
ورغم تلك الانقسامات التي تثبت قرب انتهاء الجماعة، بدأ الإخوان في محاولات مستميتة لأجل إعادة بناء التنظيم، ولكن هذه المرة عبر قيادات شابة جديدة تقيم في الغرب، وتحمل جنسيات أجنبية بالإضافة لجنسيتهم المصرية، تعتمد خطتهم على توجهات عصرية حديثة وبأفكار تحررية تتفق مع تقاليد الغرب، وفي الوقت نفسه تحت ستار حقوقي يركز على حقوق الإنسان وقضايا الحريات والمعارضة السلمية للأنظمة، وصولا للسلطة حتى تحقق الجماعة أهدافها، وذلك وفقا لما كشفته مصادر خاصة.
ووفقا لتلك المصادر، فإن جماعة الإخوان بدأت في تنفيذ تلك الخطة وذلك من خلال أبناء القيادات المقيمة في أوروبا بهدف إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختص بقضايا الحريات لاستقطاب وتجنيد الشباب المصري، منهم محمد سلطان نجل القيادي الإخواني صلاح سلطان والذي يعمل ضمن المنظمة الحقوقية المعروفة باسم” المنبر المصري لحقوق اﻹنسان” وهي منظمة إخوانية أسّست في أوروبا، وتعمل ما بين أوروبا وأميركا .
محمد سلطان يلبي ذلك الهدف الإخواني الجديد، إذ إنه تخرج في جامعة أوهايو الأميركية وترأس فرع جمعية الطلاب المسلمين بجامعة أوهايو التي أسسها تنظيم الإخوان عام 1963 وتعد من أكبر الجمعيات التابعة للجماعة في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، فضلا عن أنه يتولى مهمة اختراق منظمات حقوق الإنسان الدولية، بالتعاون مع خلف بيومي رئيس مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان في لندن وهو محامي الجماعة في محافظة الإسكندرية سابقا، وسبق أن أفرجت عنه مصر في عام 2015 ، بعد اتهامه في القضية المعروفة إعلامياً بـ”غرفة عمليات رابعة” وعاقبته المحكمة بالسجن المؤبد، ولكنه تخلى عن جنسيته المصرية وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة الأميركية.
كما أفادت المصادر أن محمد سلطان يتولى تشكيل شبكات اتصال مع الأجيال الجديدة من المصريين والعرب المقيمين في الولايات المتحدة، والتي تقيم في مدن نيويورك وواشنطن لضمها لجماعة الإخوان، ويتعاون في هذا الإطار مع القيادي الإخواني المقيم في الولايات المتحدة أحمد شحاتة بهدف تشكيل بنية تنظيمية جديدة من شباب الجماعة في الغرب وتسهيل تواصلهم مع المؤسسات الدولية، وتقديم صورة جديدة وعصرية وحديثة عن الإخوان، على أن يتم مستقبلا ومن خلال شبكات العلاقات والاتصالات مع الدول الغربية، الضغط على مصر والعودة للمشهد من خلال هذه الوجوه التي تربت في الغرب وتحمل أفكارا عصرية وتحررية، ويمكنها المشاركة في العملية السياسية داخل البلاد باسم جماعة الإخوان.
وتابعت أن من المنظمات الحقوقية التي يديرها أبناء قيادات إخوانية في الغرب وتستهدف الشباب هناك وضمهم للجماعة، هيومان رايتس مونيتور والكائنة في العاصمة البريطانية لندن، وتديرها سلمى أشرف عبد الغفار، ابنة أشرف عبد الغفار القيادي الإخواني، أحد المتهمين في قضيتَي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وميليشيات الأزهر، والذي صدر قرار من الرئيس المعزول محمد مرسي بالعفو عنه في عام 2012.
ورغم أن تلك المنظمة تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، إلا أن أغلب قضاياها كانت ضد أحكام بالسجن والإعدام، أصدرتها محاكم مصرية، بحق شباب الجماعة وعناصر حركتَي “حسم” و”لواء الثورة” ، من أجل زيادة الضغط الدولي للإفراج عنهم ووقف ملاحقتهم وإدماجهم في المجتمع من جديد ليكونوا في طليعة صفوف الجماعة والتنظيم بعد إعادة بنائه على أسس عصرية.
فيما أكد خبراء في تاريخ جماعة الإخوان أنه على العكس من شباب الجماعات الإسلامية الأخرى، فإن شباب الإخوان كانوا الأكثر استخداما لوسائل الغرب في الدعوة إلى التغيير، من خلال السيطرة على المنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، والمراكز الإسلامية، بل والأكثر تأثرا بأفكار الغرب وتماهيًا معها، طبقًا للائحة قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الذي أسسه حسن البنا، والتي تنص على أن الطريق لإقامة دولة إسلامية، يتحقق بإنشاء شعب للإخوان في مختلف بلاد العالم.
وأشاروا إلى أن جماعة الإخوان تمكنت منذ خمسينيات القرن الماضي من التسلل إلى عدد من الدول الغربية والأوروبية عبر اختراق الجاليات المسلمة، فيها وتأسيس هيئات تنظيمية تتولى في البداية تنظيم العبادة مثل مسجد ميونيخ بألمانيا، ثم تقديم نموذج في التدين يساير مستلزمات الحياة المشتركة في البيئة الغربية، ومن ثم التوغل في تلك الجاليات، ومع بداية التسعينيات تكوّن في أوروبا عدد من المنظمات الإسلامية التي سيطر عليها الإخوان ومن خلالها بدؤوا في إعادة بناء صفوف الجماعة بعد انهيارها في يونيو من العام 2013 وتقديم الدعم الدولي والسياسي والحقوقي والمالي لإعادتها للمشهد من جديد وبشكل يختلف كلية عن الصورة التي سبق أن ترسخت لدى المجتمعات العربية والإسلامية والغربية.
ويتزامن ذلك مع وجود عقبات تواجه تنصيب القيادي الإخواني صلاح عبد الحق كقائم بأعمال المرشد، فيما يرى مراقبون أن محاولات الصلح بين جبهتَيْ(لندن) و(إسطنبول) المتصارعتين على قيادة التنظيم (لم تنجح)؛ لعمق الخلافات وعدم التوافق حول ملامح مستقبل التنظيم، الذي يقبع معظم قياداته، وفي مقدمتهم محمد بديع مرشد (الإخوان) داخل السجون المصرية، في قضايا (عنف وقتل) وقعت في مصر، بعد رحيل (الإخوان) عن السلطة عام 2013.
ويذكر أن الصراع بين جبهتَيْ لندن وإسطنبول على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وتشكيل هيئة عليا بديلة عن مكتب إرشاد الإخوان، وعقب ذلك تم تشكيل جبهة لندن ومجلس شورى جديد، وإعفاء أعضاء مجلس شورى إسطنبول ومحمود حسين من مناصبهم.
وفاقم قادة التنظيم الدولي محمود حسين وإبراهيم منير قبل رحيله من الأزمات داخل الجماعة، والتي لم تنتهِ بوفاته وتزايدت حتى وصلت إلى المطالبات بضرورة تشكيل مكتب إرشاد جديد، إذ اتسعت دائرة الصراع بين إخوان مصر مما يُثير مخاوف قيادات الخارج، من ظهور تيارات أو مجموعة صغيرة جديدة، غير الجبهات الثلاث المتصارعة على قيادة التنظيم، وهي لندن، وإسطنبول، وتيار الكماليين.
وهو ما ظهر بعد نشر شباب من الموالين لجبهة لندن رسالة طالبوا فيها بمطالب لضمان عودة التنظيم من جديد وتجاوُز الخلافات بين قياداته، ومن بينها تشكيل مكتب إرشاد جديد للتنظيم يكون بتوافق من عناصر الإخوان، وإعداد لائحة جديدة لا تُجامل مجموعة على حساب أخرى وتضع حلولاً للمشاكل الداخلية للتنظيم، وحصر أموال التنظيم وتقنينها رسمياً مما لا يدَع مجالاً لإيداعها مع أفراد بعينهم.