ما زالت تبعات قضية سرقة القرن تهز العراق حتى الآن، التي تجاوز فيها المال المنهوب أكثر من 3 مليارات دولار؛ إذ إنه خلال الأيام الأخيرة، أصدرت هيئة النزاهة الاتحادية قراراً قضائياً بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لوزير المالية السابق علي علاوي ومدير مكتب رئيس الوزراء القاضي رائد جوحي، وجاء ذلك في سياق التحقيقات الجارية بشأن تلك القضية.
كما تم إصدار قرارات قضائية بملاحقة مسؤولين في الحكومة العراقية السابقة، فيما اعتبرها رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي أن تلك الملاحقات أهدافها سياسية.
ونشر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بيانا، أكد فيه: “طالعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستغراب الأنباء المسرّبة حول صدور أوامر قبض بحق عدد من أعضاء الفريق الحكومي لرئيس الوزراء السابق”، معربًا عن أسفه أن “تتداول الصفحات المشبوهة تسريبات أكثر مؤسسات الدولة حساسية قبل مرورها بالسياقات الرسمية”.
وأكد الكاظمي أنه “مع اعتزازنا بكل مؤسسات الدولة وعملنا على دعمها، فإن هذا النوع من الإجراءات التنفيذية التي تتخذها جهات تحقيقية مرتبطة بقوى وأحزاب وميول سياسية تفتقر إلى الحدود المقبولة من الاستقلالية، تؤشّر إلى نهج سياسي مكشوف في استهداف وتصفية كل من ارتبط بالعمل مع الحكومة السابقة، بصرف النظر عن طبيعة عمله”.
واستدل على رؤيته بقوله: إن إجراءات العزل والإبعاد والتنكيل الإداري التي أقصت مئات الموظفين في الدولة خلال أسابيع معدودة “كانت مثالاً لهذا الاستهداف”، موضحا أن “العراقيين جميعاً يعرفون أن حكومة الكاظمي (وعبر مكتب رئيس الوزراء السابق) طالبت، منذ الأسابيع الأولى، مختلف الجهات بالتدقيق في ملف الأمانات الضريبية، بموجب مخاطبات رسمية (19 أغسطس 2020)، وبعد إجراءات تحقيقية، كشفت الحكومة السابقة (26 سبتمبر 2022) ملابسات هذا الملف، وأحالت المتهمين بعد اعتقالهم إلى القضاء، ووضعت كل التفاصيل أمام الرأي العام بشجاعة وشفافية”.
كما أشار إلى أن “هذه القضية برمّتها تعود إلى وقت طويل قبل تأليف حكومة الكاظمي”، مضيفا أنه “من الواضح أن الشخصيات المذكورة تم اتهامها بصورة انتقائية، بعيداً عن مجريات التحقيق، وتم تحميل المسؤولية إلى شخصيات قامت بدورها القانوني بشكل كامل، أو لم تكن على علاقة بملف الضرائب من الأساس؛ ما يشكل دليلاً إضافياً على وجود دوافع سياسية واضحة تقف خلف هذا الإجراء وتدعمه وتسوّق له”.
وتابع المسؤول العراقي السابق: إن “هذا الكيد والاتهام يكشف محاولات التستر المستمرة على المجرمين الفعليين، وهروب إلى الأمام واستهداف خصومٍ سياسيين”، موضحا أن “ما جرى ليس سوى استحضار عرض إعلامي وسياسي، ومحاولة خلطٍ للأوراق للتستر على السرّاق الحقيقيين، بدلاً من السعي الجاد لإحقاق العدالة وكشف الحقيقة التي تعد تكليفاً أساسياً لكل صاحب قرار مسؤول أمام الله وأمام الشعب، وهنا نسأل: كيف يُحاسب من كشف السرقة؟ وكيف يكافأ من سرق؟”.
وأردف: “إذ نؤكد عدم ثقتنا بكل الإجراءات التنفيذية التي قادت إلى هذه القرارات ولا معقوليتها وتضمّنها نكايات وأهدافاً سياسية كيدية لا تمتّ إلى الحقيقة والإنصاف بصلة، فإننا نطالب ونسعى إلى قيام القضاء العراقي النزيه بدوره، وأن يسند ذلك بتحقيق دولي شفاف وعادل يشمل كل القضية وشخوصها، بما يضع الجميع أمام مسؤوليته ويوقف التلاعب والانتقائية والانتقام السياسي وانعدام الشفافية، ومحاسبة المجرمين ومن يقف خلفهم، ليعرف العراقيون من يسرق أموالهم فعلاً، ومن يتخذهم متراساً لضرب خصومه السياسيين بأسلوبٍ لا يمت إلى التحضّر الإنساني بصلة”.
وفي منتصف نوفمبر الماضي، أعلنت هيئة النزاهة العراقية عن تشكيل هيئة عليا للتحقيق بقضايا الفساد “الكبرى” في هذا البلد الغني بثرواته النفطية لكنه بين أكثر دول العالم معاناة جراء آفة الفساد، وقالت في بيان إن رئيسها القاضي، حيدر حنون، أصدر أمراً بتشكيل “الهيئة العليا لمكافحة الفساد، للتحقيق بقضايا الفساد الكبرى والهامة”، وفق فرانس برس.
وتنص المادة 331 من قانون العقوبات العراقي على أنه يعاقب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، كل موظف أو مكلف ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة.
وسبق أن أعلنت هيئة النزاهة قبل فترة عن إحصائية بعدد المتهمين في القضايا الجزائيَّة الخاصة بوزارة الكهرباء، والتي شملت 2654 متهماً، من بينهم 7 وزراء و5 وكلاء وزير، و127 مديراً عاماً، و2422 موظفاً بمناصب أدنى.
وتم الكشف عن شبكة من الشركات والمسؤولين المدعومين من طهران باختلاس حوالي 2.5 مليار دولار من مصلحة الضرائب في البلاد، رغم الضمانات التي أعلنت عنها الحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت أواخر الشهر الماضي بعد أزمة سياسية طويلة، ما يعد اختبارًا صعبا لها.
وكشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية أن حجم الاختلاس بلغ حوالي 2.8% من ميزانية الدولة لعام 2021، مشيرة إلى أن منظمة الشفافية الدولية، صنفت العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحكم النظيف.
وأفاد المدققون في تقريرهم، الذي حصلت عليه الوكالة الأميركية لأول مرة، بأن الاختلاس كان عملية مدبرة من قِبَل شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال، وفي نظام المحسوبية الراسخ في العراق، غالبًا ما يكون لهؤلاء الأفراد صلات بفصائل سياسية قوية، وأكد ثلاثة مسؤولين تفاصيل الخطة لوكالة أسوشيتد برس، حيث تم الكشف عن المخطط الشهر الماضي عندما زعم تدقيق داخلي أجرته وزارة المالية أن الهيئة العامة للضرائب – دائرة الإيرادات الداخلية العراقية – دفعت بشكل احتيالي حوالي 3.7 تريليون دينار عراقي، أو حوالي 2.5 مليار دولار، لخمس شركات، وتم سداد المدفوعات من خلال 247 شيكًا تم صرفها بين 9 سبتمبر 2021 و11 أغسطس من هذا العام، من فرع في بنك الرافدين الذي تديره الدولة والموجود داخل لجنة الضرائب.