رغم مرور ما يزيد عن 30 عاما على ذلك الحدث الذي أزيح عنه الستار فجأة، إلا أنه أثار جدلا واسعا، إذ تم الكشف عن وجود خطة إسرائيلية لاغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في مطلع التسعينيات، ولكنها انتهت بكارثة صادمة، بسقوط خمسة من جنود الكوماندوز المكلفين بتنفيذها وإصابة خمسة آخرين بجراح.
وهو ما كشفته القناة العبرية 13، في الحلقة الثالثة من المسلسل الوثائقي “سيرت ميتكال” (وحدة النخبة في القوات الخاصة للجيش الإسرائيلي)، إذ تضمنت تفاصيل تتعلق بخطة اغتيال فاشلة، استهدفت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وانتهت بكارثة مروعة.
وقالت القناة العبرية 13 إنه “بعد حرب الخليج عام 1991، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، بتجهيز دورية من هيئة الأركان العامة لاغتيال الرئيس العراقي صدام حسين، في عملية أطلق عليها اسم “الشيخ عتيد”.
بينما رفض العملية رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء أوري ساغي، الذي كانت وحدة النخبة تحت قيادته، وكذلك قائد الوحدة المقدم دورون أفيتال، الذي عارض بشدة العملية على أساس أن فرص نجاحها كانت ضئيلة، وأن هناك مخاطر كبيرة على حياة المنفذين الإسرائيليين.
وأشارت القناة العبرية، إلى أنه وفقا لخطة العملية، كان من المفترض أن تتوجه قوة الفرقة المسؤولة عن تنفيذ مهمة الاغتيال إلى العراق باستخدام مروحيتين عسكريتين من القوات الجوية، بحيث تتحرك الفرقة باتجاه منطقة العملية، وهناك تنقسم لفريقين: فريق تمويه على بُعد مئات الأمتار من الهدف، بينما يتمركز الفريق الآخر على بعد حوالي 12 كم منه، ويكون مسؤولا عن إطلاق صواريخ مضادة للدروع.
وفي 5 نوفمبر 1992، تم إجراء تمرين لمحاكاة العملية في العراق، وأشرف على التدريبات التي قادها اللواء ليفين، رئيس أركان الجيش إيهود باراك ونائبه أمنون ليبكين شاحاك واللواء أوري ساغي ومسؤولون كبار آخرون في الجيش الإسرائيلي.
وأثناء ذلك، وقعت الكارثة المروعة في الساعة 6:10 صباحا، أثناء مرحلة التدريبات التي كان من المفترض أن تكون خالية من الرصاص الحي، وأطلق فريق الإطلاق عن غير قصد صاروخين من نوع “تموز” على مجموعة من الجنود كانوا يمثلون دور المرافقين المسؤولين عن سلامة صدام حسين.
وكان من المفترض أن يتم إطلاق الصواريخ فقط في الجزء الثاني من التمرين، حيث تم تصميم المنطقة لتكون فارغة، وكشف التحقيق في الحادث، أن إطلاق الصواريخ كان خطأ فادحا، وكان يفترض أن يتم ذلك في القسم الثاني من التدريب، بعد أن يتم إخلاء المنطقة التي تنفذ فيها عملية المحاكاة، وأن “الكود” الذي أمر بإطلاق الصاروخين في التمرينين هو نفسه، لتقتل الصواريخ 5 جنود، وتصيب 5 آخرين.
والغريب أن من يمثل دور صدام حسين لم يكن من بين القتلى، وتم تحميل عدد من الضباط المسؤولية عن هذا الخطأ، ومقاضاتهم وتخفيض رتبهم، وتجميد عملية الاغتيال، وإدانة اللواء أوري ساغي، الذي كانت الفرقة العسكرية تحت إمرته.
كما أكدت القناة العبرية أن فشل الخطة يعود إلى “خطأ بشري”، إذ إن الأزرار المسؤولة عن إطلاق الصاروخين في التدريب “الجاف” والتدريب “الرطب” كانت متشابهة، فأصيب الضابط بالبلبلة بينها، وأطلق الصاروخ الحي بدلاً من صاروخ الكرتون التدريبي، وبعد التحقيق جرت محاكمة عدد من المسؤولين بتنزيل رتبهم درجات أو تسجيل ملاحظة في ملفاتهم. وتم تجميد خطة الاغتيال.
وبعض خريجي هذه الوحدة شخصيات بلغوا منصب رئيس حكومة، مثل بنيامين نتنياهو وإيهود باراك، ووزراء ووكلاء وزارات وغيرهم. ومع أن المسلسل يظهر بالأساس نجاحات هذه الوحدة، فإنه تطرق إلى الإخفاقات أيضاً، أبرزها خطة اغتيال صدام.
وبحسب ما تم الكشف عنه لاحقاً في تل أبيب، فإن إسرائيل كانت قد توقعت سيناريو كهذا واستعدت للحرب، لكن الولايات المتحدة مارست عليها ضغوطاً شديدة وردعتها. وخلال 39 يوماً تلقت الضربات وقتل إسرائيليان اثنان وجرح حوالي 700 ودمر 28 مبنى وتضرر 4100 مبنى آخر، وهي لا تستطيع الرد وقادة الجيش يتأففون. ومن هنا جاءت فكرة اغتيال صدام حسين.
وذكرت القناة العبرية أنه منذ البداية كانت احتمالات نجاح العملية ضئيلة جداً وتعرض حياة المقاتلين للخطر. وقد رد باراك بأن العرب يكرهون صدام بسبب غزو الكويت، وأن المقاتلين الذين سيرسلون إلى العراق سيسجلون متطوعين وهم يدركون المخاطر.
وعلى خلاف تقاليد الجيش، عين باراك الجنرال عميرام ليفي، قائد دورية هيئة الأركان السابق بمنصب “مسؤول خاص” عن العملية، متجاوزاً جميع القادة، وتمت دراسة تحركات وتصرفات صدام حسين بدقة، آخذين بالاعتبار أنه بعد الحرب لم يعد يكثر من التنقل العلني، ولا يتم نشر نشاطاته ببث مباشر ويوجد له عدة بدلاء.
وتبين للمخابرات أن قصة البدلاء مبالغ فيها، وأن صدام يظهر بنفسه في غالبية المواقع، وأنه بسبب إصابته بجراح لدى اغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم، يعاني من أوجاع بسبب ضغط الحزام، خصوصاً وهو يحمل المسدس، لذلك يضع يده على خصره من آن لآخر، ولهذا يمكن التأكد من أنه هو وليس الشخص البديل.