منذ عام 2014 الذي شهد الانقلاب الحوثي، يشهد اليمن أزمات عديدة على يد تلك الميليشيات المدعومة من إيران والتي قادت البلاد لأسوأ كارثة إنسانية في العالم، فضلا عن عرقلتها مساعي السلام والاستقرار وحتى الهدنة، لتصعد مؤخرا بشكل يهدد بعودة قتال غير مسبوق، لذا يحذر المراقبون من تأثير ذلك على المساعي الدولية وجهود الأمم المتحدة لتحقيق أي تقدم من شأنه المساعدة في استقرار اليمن.
وجاء ذلك التصعيد، بعدما أعلن الجيش اليمني، صد هجوم بري عنيف لميليشيا الحوثي استهدف الجهة الشمالية من محافظة تعز، جنوبي البلاد.
كما عرقل الحوثيون قدرة الحكومة المعترف بها دولياً على تصدير النفط، وهو مصدر حيوي لإيرادات الدولة، وذلك من خلال شن هجمات بطائرات مُسيّرة على الموانئ في جنوب البلاد لمنع الناقلات من تحميل النفط الخام، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
ولم تتوقف إجراءات الحوثي التخريبية على قطاع النفط؛ بل تجاوزتها حين اتخذت سلسلة من الإجراءات التي تستهدف تشديد الخناق على الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وتجفيف إيراداتها المالية، ولم تستهدف فقط القطاع الاقتصادي والمالي الحكومي وامتدت إجراءاتها إلى شركات القطاع الخاص العاملة في المناطق المحررة، والتي باتت تواجه حزمة من القرارات الحوثية التي تحدّ من نطاق نشاطها.
كما أجبر الحوثيون الشركات والموردين في مناطق سيطرتهم على تحويل بضائعهم وحاوياتهم التجارية إلى ميناء الحديدة بدلاً من ميناء عدن، وفُرضت عقوبات مالية على أيّ بضائع قادمة عبر المنافذ البرية بين المناطق المحررة والأخرى الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، ونُصِبت نقاط جمركية في تلك المناطق.
وأكدت مصادر إعلامية أنّ الحوثيين باتوا يمنعون دخول الكثير من المنتجات القادمة من المحافظات المحررة، ويتعمدون تأخيرها لأسابيع في النقاط الجمركية المستحدثة، بهدف إضعاف شركات القطاع الخاص العاملة في المحافظات الجنوبية وابتزازها وإجبارها على نقل نشاطها الاقتصادي إلى المحافظات الخاضعة لسلطة الحوثيين التي تضم الكتلة السكانية الأكبر في اليمن.
وحذّر مراقبون وخبراء اقتصاديون يمنيون من انعكاس الإجراءات الحوثية، التي ترقى إلى حرب اقتصادية مفتوحة، على الوضع الاقتصادي والمالي ضمن المناطق المحررة، في ظل غياب أيّ إجراءات مماثلة من قِبل الحكومة الشرعية لعكس نتائج وآثار الإجراءات الحوثية التي طالت القطاع الخاص في المحافظات المحررة، كما حذّروا من العواقب السياسية لمثل هذه الإجراءات التي تزيد من حالة الاحتقان الشعبي في المحافظات المحررة، وتُضاعف الضغط الشعبي على الشرعية.
كما حذّر خبراء اقتصاديون يمنيون من انعكاسات تحويل السفن التجارية إلى ميناء الحديدة على المنظومة الاقتصادية في المحافظات المحررة، إضافة إلى تعزيز مثل هذه الخطوة المفاجئة لموارد الحوثيين المالية وتمكينهم من الهيمنة على القطاع الاقتصادي والمالي في اليمن، في الوقت الذي تمر فيه الحكومة الشرعية بأزمة اقتصادية كبيرة نتيجة تعطل تصدير النفط وآثار الحرب المالية والاقتصادية الحوثية.
واعتبروا أن ما يقوم به الحوثي تجاه الاقتصاد اليمني بأنّه “عملية تدمير سيتضرر منها الشعب بشكل كامل، وليس الحكومة اليمنية، وهي عملية تبدو مدروسة، الهدف منها زيادة ضغط الحجم الشعبي على مجلس القيادة الرئاسي، لإظهار عجزه أمام الشعب أوّلاً، وأمام المجتمع الدولي ثانياً، لكي يسوّق نفسه على أنّه البديل الناجح، وأنّه قادر على كل شيء”.
وجاء التصعيد الحوثي على الصعيد الاقتصادي بعد سلسلة من الهجمات التي شنتها الميليشيات المدعومة من إيران على موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة، وتسببت وفقاً لرئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك في خسارة الشرعية ما يقارب المليار دولار أميركي نتيجة توقف تصدير النفط، ما تسلب في تغيير السفن التجارية التي كانت تصل إلى ميناء عدن مسارها خلال الأيام القليلة الماضية صوب ميناء الحديدة بشكل مفاجئ.
وأكدت مصادر إعلامية أو هناك قرارات سابقة اتخذتها جماعة الحوثي تتعلق بتحويل مسار السفن أو مسار الحاويات عبر ميناء الحديدة، مرجحة أن يكون الإجراء الأخير جزءاً من تفاهمات معينة في إطار المشاورات مع الحوثي التي تجري بوساطة عمانية، ومن بين الشروط الرئيسية لجماعة الحوثي أن يتم دخول الحاويات إلى ميناء الحديدة.
وتهدف من خلال ذلك جماعة الحوثي مليارات الريالات من العائدات الضريبية والجمركية، وسيكون تأثيره سلبياً على ميناء عدن والموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، مع توقّع أن تتراجع العائدات الضريبية والجمركية إلى 70% تقريباً جرّاء تحويل مسار الحاويات.
ويرى محللون أنّ الحوثيين حوّلوا صراعهم إلى “حرب اقتصادية”، وأنّهم كثفوا الضغوط لتحقيق مكاسب اقتصادية في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة لتمديد اتفاق الهدنة عن طريق استهداف موانئ النفط في مناطق تسيطر عليها الحكومة.
وأيضا يتطلع الحوثي إلى “اقتسام موارد النفط” مع الحكومة الشرعية، وهو شرط لتمديد الهدنة المنتهية في 2 أكتوبر، خاصة أن حرب الحوثيين تسببت في أزمات الاقتصادية، ومفاقمتها لمعاناة اليمنيين في كافة أنحاء البلاد، ومحاولة الميليشيات مع النظام الإيراني لإغراق الاقتصادي الوطني، دون مراعاة لمصالح البلاد، في ظل تعنت الحوثيين بشأن مطالبهم لتمديد الهدنة المتعلقة بتوحيد العملة ودفع رواتب مقاتليها.
وخلال فترة الهدنة الأممية استمر الحوثيون -وبشكل تصاعدي- في اعتماد أسلوب الحرب الاقتصادية المفتوحة على الحكومة الشرعية، عبر استهداف موانئ تصدير النفط، والمضي قُدماً في الإجراءات الأحادية لتجفيف إيرادات الحكومة، الأمر الذي تسبب في زعزعة البنية الاقتصادية الهشة في المحافظات المحررة، وجعل الحكومة اليمنية تتكبّد خسائر تناهز المليار دولار، وفق ما نقلت وكالة “سبأ نت” الرسمية عن رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك.
وكشف عبد الملك في إحدى جلسات القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي عن انكماش الاقتصاد اليمني إلى النصف، وخسارة حوالي 800 مليون دولار إلى مليار دولار نتيجة الهجمات الحوثية على المنشآت والموانئ النفطية.