بعد فترة طويلة من الأزمات السياسية المتتالية، وقع مجلس السيادة في السودان والقوى المدنية ومن ضمنها قوى الحرية والتغيير اتفاقا إطاريا يتضمن إطلاق عملية صياغة الدستور والتمهيد لإجراء الانتخابات، وأيضا لإنهاء الأزمة السياسية في السودان وعودة البلاد إلى الحكم المدني وسط ترحيب دولي وإقليمي ضخم.
وتعهد رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بالعمل على إنفاذ الاتفاق السياسي الإطاري، من أجل الوصول إلى حكومة وسلطة مدنية وإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد وعودة الجيش إلى الثكنات.
ودعا القوى السياسية التي لم توقع على الاتفاق، إلى الانضمام إليه، حيث سينهي الاتفاق حالة الصراع بين القوى المدنية والقوى العسكرية حتى يضطلع كل منهما بالتزاماته الدستورية.
ومن ناحيته، رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بتوقيع الفصيل العسكري وقوى مدنية في السودان لاتفاق إطاري يؤسس لفترة انتقالية جديدة في البلاد، معربا عن أمله في أن يمهد هذا الاتفاق الطريق أمام التحول إلى حكم مدني في السودان.
ودعا الأمين العام السودانيين إلى العمل بشكل فوري على المرحلة التالية من العملية الانتقالية، بهدف تحقيق تسوية سياسية شاملة ودائمة للأزمة في البلاد.
وتم توقيع الاتفاق في القصر الرئاسي بالخرطوم بحضور الأطراف من قادة الجيش والمدنيين، أبرزهم رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو حميدتي وبقية المكون العسكري في مجلس السيادة، بجانب قادة الأحزاب في تحالف “الحرية والتغيير”، وأيضا بمشاركة أحزاب سياسية أخرى لكنَّها اتخذت موقفا داعما لعملية الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.
وشهدت أيضا مراسم التوقيع حضورا دوليا كبيرا، منه “الآلية الثلاثية” الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيقاد”، بجانب “الآلية الرباعية” التي تضم السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الخرطوم.
ويضم الاتفاق مجموعة من المبادئ العامة التي تشمل ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وآليات العدالة الانتقالية ووضع حد للإفلات من العقاب، وأيضاً التأكيد على جيش مهني واحد وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وإقامة سلطة مدنية بالكامل دون مشاركة القوات النظامية، وحدد أن تكون الفترة الانتقالية عامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء، واختيار رئيس وزراء انتقالي من قِبل قوى الثورة الموقعة على الاتفاق الإطاري.
كما ينص على أن رئيس الدولة سيكون القائد العام للجيش، كما أنه يوسع من صلاحيات رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية، وإطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا على أن يتم تحديد متطلباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.
وفيما يخص الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني وقومي واحد يحمي حدود البلاد والحكم المدني الديمقراطي وينأى بالجيش عن السياسة، نص على ضرورة إصلاح جميع الأجهزة النظامية وتحديد مهامها، وقضية إزالة تمكين نظام المعزول وتفكيكه في كافة مؤسسات الدولة واسترداد الأموال والأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين.
فضلا عن الإصلاح القانوني وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ومهنيتها وإيقاف التدهور الاقتصادي ومعالجة الأزمة المعيشية، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه، واستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة.
كما وضع الاتفاق أسسا محددة لهياكل السلطة الانتقالية من مستوى سيادي ومجلس الوزراء ومجلس تشريعي وهي مؤسسات مدنية بالكامل، كما حدد تمثيل النساء في المجلس التشريعي بنسبة 40%، والمستوى السيادي سيكون مدنيا ومحدود العدد بمهام شرفية، ويتشكل مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية، وتشكل المفوضيات المستقلة والمتخصصة والمجالس العدلية والنيابية.
بينما حدد الاتفاق أسسا محددة للأجهزة النظامية ومهامها، وجاء في مقدمة الأجهزة النظامية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة، والقوات المسلحة وفق ما نص عليه الاتفاق الإطاري فهي مؤسسة نظامية قومية غير حزبية وتلتزم بالنظام الدستوري والمدني، وتضطلع القوات المسلحة بمهامها وفق ما نص عليه قانونها، وعليها كذلك تنفيذ المهام الواردة بالاتفاق الإطاري مثل تنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية.
ويضم الإصلاح أن تدمج في القوات المسلحة قوات الدعم السريع وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، كذلك دمج قوات الحركات المسلحة وفقاً لبند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاقية جوبا، وحظر تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وكذلك حظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.