ما زالت أزمة عمال المونديال تحيط بقطر على مدار الأعوام الماضية وحتى قبل أيام من المونديال، إذ وجّه القضاء الفرنسي الاتهام لشركة تابعة لمجموعة “بي تي بي فانسي” (BTP Vinci) للبناء في إطار تحقيق حول ظروف العمل في ورش مرتبطة بالمونديال في قطر، وفق ما أفاد محامي المجموعة لوكالة “فرانس برس”.
ويأتي ذلك إثر تعرض قطر للعديد من الانتقادات الحقوقية خلال السنوات الماضية، بسبب وجود وفيات وإصابات في ورش العمل وعدم دفع أجور العمال الأجانب من شركات مشغّلة، بينما زعمت الحكومة أكثر من مرة إجراء إصلاحات لتحسين ظروف معيشة العمّال ومعاقبة أصحاب العمل الذين ينتهكون القوانين، كما قالت إنها دفعت مئات ملايين الدولارات كتعويضات عن الأجور الضائعة والإصابات.
وفي تقرير لوكالة “فرانس برس”، أكدت مجموعات حقوقية أن التحسينات كانت ضئيلة ومتأخّرة، كما نقلت عن عامل هندي – سرافان كالادي- كان يعمل مع والده في الشركة نفسها التي ساهمت في بناء الطرق المؤدية إلى ملاعب كأس العالم، لكن سرافان وحده عاد إلى الهند، قوله: “والدي البالغ من العمر خمسين عاما انهار يوما بعد ساعات عمل طويلة، وتوفي في المخيم الذي كانا يعيشان فيه”.
وقال كلادي (29 عاما) “في اليوم الذي مات فيه والدي، كان بدأ ألم صدره، أخذناه إلى المستشفى، طلبت من الأطباء المحاولة مرارا وتكرارا إنعاشه”، وذكر أنّ ظروف العمل “لم تكن جيّدة على الإطلاق”، متحدّثا عن ساعات عمل طويلة وأجر إضافي قليل، مضيفًا، أن والده، وهو سائق، “كان يذهب إلى العمل في الساعة الثالثة صباحًا ويعود الساعة الحادية عشرة مساءً”، ويعيش مع ثمانية أشخاص في غرفة داخل المخيم، علما أنها لم تكن تتسع “لجلوس أربعة أشخاص على الأرض بشكل لائق” بسبب ضيق مساحتها.
كما تحدثت الوكالة مع العامل البنغلاديشي، أوبون مير، ممن يتولون تركيب الرخام في استاد خليفة الدولي في الدوحة الذي سيستضيف ثماني مباريات ضمن بطولة كأس العالم، لكنه عاد إلى وطنه بعد أربع سنوات في قطر بعدما سُلب أجره، وقال: “يا له من ملعب جميل! إنه جميل بشكل لا يصدق، لكن الجزء المحزن هو أنه رغم كوننا جزءا من هذا البناء الجميل العملاق، لم نتقاضَ رواتبنا، أخذ المسؤول عن العمال أوراقنا وسحب كل أموالنا وهرب”.
وغادر مير منزله في سريبور في ريف غرب بنغلاديش وتوجّه إلى قطر في 2016 على أمل جني أموال كافية لتغيير حياته، ودفع ثمن رحلته من مدّخراته وقروض من والده وأقاربه الآخرين، كان يعمل في شركة إنشاءات هندية في سبعة من ملاعب كأس العالم، لكن بما أنه لم يكن يملك تصريح عمل ساري المفعول، قُبض عليه في عام 2020 وتمّ ترحيله.
وقال الشاب البالغ من العمر 33 عاما: “أنفقت ما يقرب من 700 ألف تاكا (7000 دولار) للذهاب إلى قطر لتغيير مصيري”، وأضاف الأب لطفلين أمام منزله ومتجر للشاي “عدت إلى المنزل بمبلغ 25 ريالاً (8 دولارات). هذا هو المبلغ الذي ساهمت به قطر في حياتي”، وتابع “حلمت ببناء منزل أفضل، وعيش حياة أفضل، وإرسال أطفالي إلى مدارس أفضل، لكن لم يتحقّق أي من هذه الآمال، جمعت فقط كومة من الديون وأنا الآن أحمل العبء”، مضيفًا: قطر سرقت أحلامي.
وكان يستيقظ في الساعات الأولى ليأخذ الحافلة إلى موقع البناء، ثم يعمل لمدة عشر ساعات في طقس شديد الحرارة، وكان يمضي أيامًا بدون طعام عندما لا يملك المال، وينام أحيانًا على الشاطئ عندما لا يستطيع دفع إيجاره، وأوضح: “كنا نتعرّق من أعلى إلى أخمص القدمين كل يوم في العمل”، مضيفا: “تحوّل الدم إلى عرق في أجسادنا لبناء الملاعب، ولكن فقط لكي نُطرد من دون مال”.