على مدار عدة أعوام، زرعت حكومة إيران في لبنان سببا لهلاكها وتفتيتها والتغلغل في الشرق الأوسط، لذا كانت إحدى أهم الجهات المتورطة في أزمة إفلاس لبنان، التي تم الإعلان عنها قبل أيام، ليحمل الشعب اللبناني قطر وإيران المسؤولية عن تدهور الأوضاع بهذه الصورة الحالية.
وقبل أيام، أعلن سعادة الشامي نائب رئيس الحكومة اللبنانية “إفلاس الدولة ومصرف لبنان المركزي”، وقال إنه سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة، للأسف الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، ونريد أن نخرج بنتيجة، والخسارة وقعت بسبب سياسات لعقود، ولو لم نفعل شيئا ستكون الخسارة أكبر بكثير”.
وفي أعقاب ذلك الإعلان الصادم، حمل اللبنانيون إيران وقطر مسؤولية تدهور الأوضاع إلى ذلك الحد، إذ أبدوا إحباطهم البالغ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تداولت مقاطع فيديو وصورا توضح حجم الضرر الذي يعاني منه لبنان، ووجهوا أصابع الاتهام لقطر وإيران، مشيرين إلى أن تدخلها في شؤون بلادهم أدى إلى خرابها، وكتب أحد النشطاء: “ما دخلت إيران وقطر في دولة إلا وأفلستها أو أطاحت بها.. سلام على لبنان التي كانت ذات يوم عروس الشرق الأوسط”، واعتبر ناشط آخر ما يحدث في لبنان “نتائج المشروع الإيراني المدمر لكل مقدرات الشعوب التي تصاب به”.
ومما لا شك فيه أن الدعم القطري والإيراني الضخم لحزب الله في لبنان، إذ سبق أن سلط الضوء عليه عدة تقارير عالمية، وحملوها المسؤولية الكارثية الضخمة جراء تدهور الأوضاع، ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية بتاريخ 19 يوليو 2021، أن حرب إيران وإسرائيل البحرية آخذة في الاتساع، وأن انهيار لبنان سيؤدي إلى تفاقم هذا “الصراع الخفي” في البحر الأبيض المتوسط، الذي سيخرج للعلن.
وفيما يخص نشأة الحزب وأيديولوجيته وولائه، يجب التذكير بأن “الحزب” لا يخفي ولاءه الأيديولوجي للنظام الإيراني، ويذكر في بيانه الذي حدد أهدافه، الصادر عنه في 16 فبراير 1985، “إننا أبناء أمـة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسـست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسـد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”، وفقا لموقع “إندبندنت” بالعربية.
وقال الباحث ماثيو ليفيت في تقريره: إن إيران لعبت الدور الرئيسي في تأسيس الحزب، ويُعد ولاؤه تجاهها السبب في تأجيج الصراع المتأصل بين أهدافه المتضاربة في لبنان وعبر الشرق الأوسط. وتابع أن للحزب مصالح عميقة في لبنان، ويشارك في أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، كما يشمل عمل “الحزب” تدريب مجموعات تعمل بالوكالة لإيران، وحتى نشر أفراد أساسيين ووحدات عسكرية خارج حدود لبنان، لمساعدة إيران على تطوير شبكات المقاتلين الشيعة.
وبدوره قدم “حزب الله” الدعم للجماعات المسلحة الشيعية الأخرى في المنطقة، حيث درب عناصرها، وشارك في شكل دوري في الهجمات الإرهابية مع أعضاء الجماعات الشيعية المسلحة الأخرى بأمر من إيران، ومع بداية عام 1985، ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية “CIA”، أن “حزب الله” أدار معسكراً للتدريب قرب جناتا (قرية في قضاء صور، جنوب لبنان)، ضم أكثر من 2000 مقاتل شيعي، بينهم حوالي 60 عنصراً من دول خليجية تم تدريبهم في المنشأة قبل إعادتهم إلى الخليج لتنفيذ عمليات هناك.
وفي تقرير آخر لموقع “دويتش فيله”، أكد أنه من المعروف أن الحرس الثوري الإيراني هو من أسس الجماعة في 1982، بهدف تصدير الثورة الإسلامية ومحاربة القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان في السنة نفسها، ويعرف الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، كشخصية بارزة في ما يسمى بـ “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، في حشد وتنظيم تحالفات طهران العربية، بعد خضوعه لدورات مكثفة في قم الإيرانية بالصعود.
وأشار إلى أن الحزب سعى لتصفية ممنهجة للمقاومة الوطنية أدت لجعل الجنوب محمية خالصة لحزب الله، الذي حولها إلى ورقة بيد إيران تستغلها وقتما تشاء، واستغل الحزب القضية الفلسطينية لتسويق نفسه، مؤكدا أن الحزب ليس سوى مجرد جناح عسكري إقليمي تستخدمه إيران لبسط نفوذها في المنطقة.
تجلت الصلة الوثيقة بين حزب الله وإيران بوضوح عندما دخل الحزب في 2013 إلى مستنقع الحرب السورية بجانب طهران مدافعاً عن حليفهما المشترك الرئيس بشار الأسد، وفي 2008، سيطر مقاتلو حزب الله على بيروت عندما اندلع صراع مع الحكومة، لذا رسخ حزب الله مكانة إيران كلاعب رئيسي في لبنان، البلد الذي تتنازع فيه على النفوذ الولايات المتحدة وروسيا وسوريا والسعودية ودول أخرى كثيرة منذ سنوات.
ولحزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى منظمة إرهابية، جناح عسكري قوي يقر الحزب بأن من يموله ويسلحه هو إيران، إذ تسيطر الجماعة أيضاً على جهاز مخابرات هائل، وتتولى القيام بمهام حفظ الأمن في مناطقها الخاصة بجنوب بيروت وجنوب لبنان، فضلاً عن المناطق الحدودية مع سوريا، دخل حزب الله معترك السياسة في لبنان بشكل أكثر وضوحاً بعد مقتل رئيس الوزراء السني الأسبق رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من البلاد في 2005.
ويتلقى حزب الله مساعدات مالية وسياسية وكذلك أسلحة وتدريب من جمهورية إيران الإسلامية، إذ قدرت الولايات المتحدة أن طهران كانت تمنح حزب الله ما يتراوح بين 60 و100 مليون دولار أميركي سنويا في شكل مساعدة مالية، وفي بعض الأحيان تصل إلى 200 مليون دولار سنويا.
وكشفت وكالة “بلومبيرغ”، نقلا عن مصدر خاص لها، قبل عامين، أن التمويل الإيراني لـ”حزب الله” اللبناني يصل سنويا لحدود 700 مليون دولار، وأن قدرة إيران على الاستمرار بهذا النهج أصبحت تتضاءل تحت ضغط المقاطعة الأميركية، وآخر حلقاتها قرار واشنطن تصفير صادرات إيران النفطية وإلغاء أي استثناءات كانت منحت لبعض الدول في موضوع مواصلة الاستيراد من إيران.
كما تورط الحزب وإيران في واقعة انفجار مرفأ بيروت 2020، التي هزت البلاد بشدة حينها، إلا أنه رغم أن السيّد حسن نصر الله زعيم حزب الله نفى بشدة أن تكون لمنظمته أي علاقة بشحنة نترات الأمونيوم، ولكن تقارير غربية نقلت عن وكالات استخباراتية غربية، تؤكد تلقى الحزب الشيعي شحنات كبيرة من نترات الأمونيوم، لها علاقة وثيقة بانفجار ميناء بيروت، ووفقًا لتلك المعلومات فقد كان لدى حزب الله كميات كبيرة من نترات الأمونيوم تم تسليمها إلى لبنان، ويقال: إن وحدة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني كانت مسؤولة عن النقل بإشراف من الجنرال قاسم سليماني الذي قُتل في غارة أميركية في يناير 2020.