في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، عاد الشمال السوري إلى صدارة المشهد السياسي والأمني، مع تصاعد توترات ميدانية تعكس عمق الخلافات المؤجلة بين الحكومة السورية الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية، وسط حضور تركي ثقيل يفرض نفسه لاعبًا مؤثرًا في مسار الأحداث، المشهد الحالي لا يوحي بأزمة عابرة، بل بصراع إرادات تتداخل فيه الحسابات السيادية مع الهواجس الأمنية والمصالح الإقليمية.
وبين دعوات الحوار وتبادل الاتهامات، تبدو الأرض أكثر سخونة من التصريحات، ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الأطراف على احتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع.
تصريحات تفتح باب التأويل
وقد أعادت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بشأن تشكيكه في إمكانية تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري قبل نهاية العام، إشعال النقاش حول مستقبل التفاهمات القائمة.
التصريحات قرأت في سياق أوسع من مجرد تقييم سياسي، إذ تزامنت مع تحركات ميدانية وتصعيد إعلامي أعادا رسم خطوط التوتر شمال البلاد.
بالنسبة لكثير من المراقبين، لم تكن الرسائل التركية محايدة، بل حملت دلالات على إعادة تموضع أنقرة في الملف السوري، خصوصًا في ظل تعقيدات المشهدين الأميركي والروسي.
إشارات تصعيد مبكرة
يرى محللون، أن المؤتمر الصحفي المشترك بين وزيري خارجية سوريا وتركيا شكل نقطة تحول لافتة، حيث بدا الخطاب موجهًا بشكل غير مباشر نحو تحميل قوات سوريا الديمقراطية مسؤولية تعثر المسارات السياسية.
التوجه، بحسب قراءات سياسية، تجاهل دور تركيا نفسها في التأثير على مسار التفاوض، ما زاد من حالة الاحتقان.
ويلاحظ أن الملف الكردي بات حاضرًا بقوة في الخطاب التركي، أكثر من كونه أولوية معلنة لدى الحكومة السورية، وهو ما يعكس تشابك الأجندات الإقليمية مع المسار الداخلي السوري.
ميدان ملتهب ورسائل بالقوة
على الأرض، ترافق التصعيد السياسي مع توترات أمنية في مناطق حساسة مثل أحياء حلب الشمالية، ما عزز المخاوف من استخدام الضغط الميداني كأداة تفاوض غير مباشرة.
التداخل بين السياسة والميدان يضعف فرص بناء الثقة، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة إذا استمر التصعيد.
بينما تطرح تساؤلات حول دور الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، وحدود سيطرة الدولة السورية عليها، في ظل تضارب الروايات بشأن المسؤولية عن بعض الأحداث الميدانية.
اتفاقات معلقة وخلافات جوهرية
رغم وجود اتفاقات معلنة، أبرزها اتفاقات مارس، إلا أن التنفيذ ظل محدودًا، خصوصًا في البنود المتعلقة بالحقوق الدستورية والإدارة المحلية.
هذا التعثر غذى شعورًا متبادلًا بعدم الثقة، حيث ترى قوات سوريا الديمقراطية أن الاتفاقات يتم تجاوزها، بينما تؤكد الحكومة السورية تمسكها بالسيادة ورفض أي بنى موازية للدولة.
الخلاف الحقيقي لا يقتصر على الترتيبات العسكرية، بل يمتد إلى شكل الدولة ومستقبل اللامركزية، وهو ما يجعل الأزمة أعمق من مجرد ترتيبات أمنية.
العامل الدولي وضبط الإيقاع
ويلعب العامل الدولي دورًا مهمًا في منع الانفجار الشامل، إذ لا تزال الولايات المتحدة والتحالف الدولي ينظران إلى قوات سوريا الديمقراطية كشريك أمني، في وقت لم تمنح فيه واشنطن أنقرة ضوءًا أخضر واضحًا لأي عملية عسكرية واسعة، هذا التوازن الهش يحد من خيارات التصعيد، لكنه لا يلغي احتمالاته.

