شهدت تونس مؤخرًا تطورًا قضائيًا وسياسيًا مدويًا، أطلق عليه المراقبون وصف زلزال في المشهد السياسي، فالحكم بالسجن لمدة 12 عامًا على السياسية المعارضة البارزة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، يمثل نقطة تحول خطيرة في العلاقة بين السلطة التنفيذية وقوى المعارضة.
وقالت مصادر: إن هذا الحكم، الذي جاء على خلفية طعنها العلني في أوامر وقرارات الرئيس قيس سعيّد، يثير تساؤلات جوهرية حول حقيقة استقلالية القضاء التونسي وما إذا كان قد تحول فعليًا إلى أداة فعالة لترويع وتصفية الخصوم السياسيين.
الخلفيات والتداعيات
وأكدت مصادر، أن الحكم بالسجن لمدة 12 سنة على عبير موسي لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لسلسلة طويلة من الملاحقات القضائية التي استهدفتها منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد الإجراءات الاستثنائية وتجميد البرلمان في 25 يوليو 2021، موسي، التي كانت أبرز منتقدي مسار قيس سعيّد الجديد، واجهت تهمًا متعددة تتعلق بالتآمر على أمن الدولة والاعتداء على موظف عمومي أو “تعطيل حرية العمل.
وأشارت المصادر، أن الحكم الأخير يرتبط بملفات تتعلق بالتعبير عن الرأي والطعن في شرعية قرارات قيس سعيّد، وهي تهم يراها الحقوقيون فضفاضة وتستهدف في جوهرها ممارسة الحق في المعارضة، والحكم، بهذا القِدم والعنف، يمثل صدمة داخلية وخارجية، إذ يرسل رسالة واضحة حول مدى التضييق على حرية التعبير والمعارضة في تونس الحالية.
التحديات الجدية
ويرى الحقوقيون والمنظمات الدولية، أن هذه الملاحقات، وعلى رأسها محاكمة عبير موسي، توحي بأن القضاء التونسي قد فقد حياده وتحول إلى أداة لتنفيذ الأجندة السياسية للسلطة التنفيذية، فالأحكام القاسية، مثل الحكم 12 سنة، تُستخدم كأداة لترهيب باقي المعارضين ودفعهم إلى الصمت أو الهجرة.
وقالوا: إن معظم التهم الموجهة لمعارضي قيس سعيّد، ومن ضمنهم عبير موسي، تندرج تحت فصول قانونية غامضة ومطاطة مثل “التآمر” و”نشر الأخبار الكاذبة”، وهي تهم يسهل توظيفها ضد أي صوت مخالف.
وأكدوا، أن سجن أبرز شخصية معارضة، ذات قاعدة شعبية وتنظيمية، يضعف المعارضة بشكل كبير ويترك فراغًا في الصفوف، خاصة وأن عبير موسي كانت صوت التيار المعارض للإسلام السياسي والمشروع الحالي للرئيس قيس سعيّد. هذا الضعف يتيح للسلطة الحالية المضي قدمًا في تنفيذ رؤيتها الدستورية والسياسية دون مقاومة فعالة.
ردود الفعل الدولية والحقوقية
ومن المتوقع أن يثير الحكم على عبير موسي ردود فعل دولية واسعة. المنظمات الحقوقية الكبرى، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، طالبت مرارًا بوقف الاعتقالات السياسية في تونس وانتقدت مسار القضاء، هذا الحكم الطويل سيعزز التصور الدولي بأن تونس تتراجع عن مكتسبات ثورتها في مجال الحريات وحقوق الإنسان.
قد يؤدي ذلك إلى تجميد بعض المساعدات أو فرض ضغوط دبلوماسية على حكومة قيس سعيّد.
هل تحول القضاء التونسي إلى أداة ترويع؟
ويُنظر إلى الحكم على عبير موسي بالسجن 12 سنة كدليل ملموس على التدهور السريع في وضع الحريات العامة بتونس، ورغم أن السلطة تؤكد أن القضاء يتمتع بكامل استقلاليته، وأن الأحكام تصدر بناءً على القانون، فإن توقيت هذه الأحكام وطبيعة التهم التي تستهدف المعارضين الرئيسيين لقيس سعيّد يدفع العديد من المحللين للقول: إن القضاء التونسي قد تحول بالفعل إلى آلية لـ “ترويع” المعارضة وتصفية الحسابات السياسية تحت غطاء قانوني.
وتبقى الأنظار متجهة إلى مرحلة الاستئناف والنقض، حيث سيتقرر ما إذا كان القضاء التونسي سيسترد حياده، أم سيكرس هذا المسار الذي يهدد بتقويض الاستقرار السياسي والديمقراطي في البلاد.
وقالت المصادر: إن مستقبل تونس، وحرية المعارضة فيها، يعتمد بشكل كبير على نتائج هذه محاكمة عبير موسي وما سيعكسه ذلك على استقلالية القضاء التونسي الفعلي.

