ذات صلة

جمع

شتاء غزة القاسي.. آلاف شاحنات المساعدات عالقة والنازحون بلا مأوى

في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تتزايد...

كيف حوّلت جماعة الإخوان “بيزنس الحلال” إلى شبكة نفوذ عابرة للحدود؟

منذ أعوام، نجحت جماعة الإخوان في بناء منظومة مالية...

ليل المسيرات يوسع دائرة النار بين موسكو وكييف.. 2 قتلى جدد

عاد التوتر العسكري بين روسيا وأوكرانيا إلى واجهة المشهد،...

ساحل أفريقيا على صفيح ساخن.. تمدد القاعدة وداعش يشكل “مثلث موت جديد”

يتحرك الإرهاب في غرب أفريقيا بخطوات محسوبة نحو فضاء...

هدنة على الورق ونار على الحدود.. اشتباك كمبودي تايلاندي يتحدى الوساطات

عاد التوتر الحدودي بين كمبوديا وتايلاند إلى الواجهة، كاشفًا...

الدولة أولاً.. رؤية نواف سلام لإعادة بناء القرار الوطني في لبنان

في لحظة مفصلية تمر بها الساحة اللبنانية، طرح رئيس الحكومة نواف سلام مقاربة جديدة تُعيد ترتيب العلاقة بين الدولة ومصادر القوة داخل البلاد، عبر ما وصفه بـ”إعادة ضبط وطنية” تقوم على مسارين متوازيين: تثبيت السيادة وترسيخ الإصلاح.

المقاربة تبدو أقرب إلى مشروع سياسي شامل يسعى إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة، في ظل تصاعد التوترات جنوبًا وتحديات الانهيار الاقتصادي المستمرة.

سيادة لا تقبل المشاركة

ويرتكز المسار الأول الذي طرحه سلام على فكرة واضحة: احتكار الدولة للسلاح وقرار الحرب والسلم. فوفق الرؤية الجديدة، لا يمكن لأي جهة أخرى أن تحتفظ بقدرات عسكرية مستقلة، ولا أن تحدد توقيت النزاعات أو مسارها. هذا التوجه يشكل تحولًا سياسيًا مهمًا، خصوصًا في بلد اعتاد تعدد الميليشيات والفصائل المسلحة.

ولتكريس هذا النهج، توجهت الحكومة إلى المؤسسة العسكرية باعتبارها الجهة الوحيدة المخوّلة تنفيذ خطة شاملة لنزع السلاح غير الشرعي، بدءًا من جنوب نهر الليطاني وصولًا إلى بقية المناطق.
الخطة وُضعت ضمن سقف زمني واضح، يعكس رغبة في نقل المبادرة من الأطراف المتنازعة إلى يد الدولة.

إجراءات أمنية تعيد ضبط المشهد

ترافق مشروع السيادة مع خطوات أمنية عملية، تمثلت في تعزيز الرقابة على المعابر والمطار، وتفكيك مخازن الأسلحة غير الشرعية التي انتشرت خلال السنوات الماضية، إلى جانب ملاحقة شبكات التهريب التي نشطت في ظل ضعف الدولة.
الإجراءات تسعى إلى تكوين بيئة أكثر انضباطًا، تمنح المؤسسات الرسمية القدرة على فرض سلطتها وإعادة بناء الثقة الداخلية والخارجية.

وتأتي هذه التحركات في مرحلة تشهد فيها الحدود الجنوبية اضطرابات متكررة، ما يجعل ضبط السلاح مسألة ليست أمنية فحسب، بل جزءًا من حماية الاستقرار الوطني ومنع انزلاق البلاد نحو مواجهات غير محسوبة.

إصلاحات لكسر دائرة الانهيار

وعلى المسار الاقتصادي، قدّم سلام رؤية تستند إلى إصلاحات هيكلية لإعادة تأهيل الدولة ومؤسساتها المالية. البداية جاءت من إقرار قانون يعتبره كثيرون نقطة تحول، وهو رفع السرية المصرفية بما يسمح بمعالجة الفساد وملاحقة الأموال المشبوهة.
وإلى جانبه صدر قانون يعيد صياغة إدارة الأزمات المصرفية، في محاولة لإنقاذ القطاع المالي من حالة الشلل التي يعيشها منذ سنوات.

هذه الإجراءات تأتي في سياق مشروع أوسع يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد على أسس أكثر شفافية وكفاءة، بعدما فقد المواطنون جزءًا كبيرًا من مدخراتهم وثقتهم بالنظام المالي.

بين الجنوب والأمم المتحدة.. التزامات متبادلة وواقع معقد

على الصعيد الأمني والسياسي، تؤكد الحكومة استمرار التزامها بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بوقف الأعمال العدائية مع إسرائيل.
وهذا الالتزام يشكل عنصرًا أساسيًا في خطاب الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، لكنه يقابَل بواقع ميداني معقد يتمثل في استمرار الانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، سواء عبر الخروقات الجوية أو من خلال السيطرة على نقاط حدودية حساسة.

هذا الواقع، بحسب القراءة الحكومية، يعرقل الجهود المبذولة لتثبيت سلطة الدولة، ويجعل احتمالات تجدد المواجهات قائمة، رغم كل محاولات التهدئة.

وبين السعي إلى ضبط السلاح وإعادة بناء الاقتصاد، تبدو مقاربة نواف سلام محاولة جريئة لإعادة تشكيل الدولة اللبنانية وفق رؤية مركزية واضحة.
والمشروع لا يزال في بداياته، لكنه يحمل مؤشرات على تحول قد يعيد رسم العلاقة بين المؤسسات الشرعية والجماعات الفاعلة، ويضع لبنان على مسار مختلف، إذا ما توفرت الظروف السياسية التي تسمح بتنفيذه.