تعود الحدود الشرقية لإسرائيل إلى واجهة الاهتمام الأمني في تل أبيب، مع تقارير إسرائيلية تتحدث عن تصاعد ما تصفه بـ”التهديد الإيراني غير المباشر” عبر العراق وسوريا والأردن، في إطار تصور استراتيجي أوسع ترى إسرائيل أنه امتداد لخطة قديمة تتجدد مع المتغيرات الإقليمية.
ومع إعادة انتشار واسعة للجيش الإسرائيلي في المنطقة، يأخذ الملف بعدًا استراتيجيًا أكبر يرتبط بمخاوف من هجوم مباغت قد يستغل مساحات الفراغ على طول خط الحدود.
إعادة تموضع عسكري على امتداد الشرق
ووفق الرواية الإسرائيلية، بدأ الجيش خلال الأسابيع الماضية بتنفيذ خطة إعادة انتشار واسعة على الحدود الشرقية، تشمل إعادة تشغيل مواقع عسكرية تم إخلاؤها سابقًا وإقامة تشكيلات جديدة تعتمد على قوات احتياط.
يأتي ذلك بالتزامن مع إنشاء وحدات عسكرية مخصصة لمراقبة المنطقة، وفي مقدمتها “فرقة جلعاد” التي تتولى مسؤولية القطاع الشمالي من الحدود، في مقابل استمرار فرقة “إدوم 80” في إدارة القطاع الجنوبي.
التحركات تعكس تغيرًا في قراءة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لطبيعة التهديدات القادمة من الشرق، بعدما ظل التركيز لعقود على الجبهتين الشمالية والجنوبية، كما تشير إلى قناعة متزايدة بأن الحدود الأردنية-الإسرائيلية، التي اعتُبرت لسنوات الأكثر استقرارًا، لم تعد محصنة من تحولات إقليمية متسارعة.
خطة سليماني.. عودة في ثوب جديد
وتستند القراءة الإسرائيلية إلى قناعة مفادها أن إيران لم تتخلَّ عن مشروعها القديم الذي وضع خطوطه الأساسية قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، والقائم على إحاطة إسرائيل بما تصفه تل أبيب بـ”حلقة مزدوجة من النار”، تشمل صواريخ ومسيرات وقوات برية يمكن الدفع بها في لحظة واحدة لخلق ضغط متعدد الجبهات.
وترى التقييمات العسكرية الإسرائيلية أن هجوم حماس في أكتوبر 2023 أعاد ترتيب الأولويات لدى طهران وأثّر في توقيت خطتها، لكنه لم يُلغها، بل إن تبعات الحرب فتحت مسارًا جديدًا يتمثل في إمكانية استخدام الأراضي الأردنية كجبهة إضافية، سواء عبر الميليشيات العراقية أو الحوثيين.
ميليشيات عابرة للحدود.. السيناريو الأكثر إلحاحًا
وأحد السيناريوهات التي تطرحها التقديرات الإسرائيلية هو احتمال وصول مجموعات مسلحة موالية لإيران إلى الحدود الأردنية خلال فترة زمنية قصيرة، مستغلة امتداد الأراضي بين العراق وسوريا والأردن. السيناريو يتحدث عن انتقال سريع عبر مركبات خفيفة للوصول إلى المعابر الرئيسية مثل جسر اللنبي أو مناطق جنوب طبريا، قبل تنفيذ هجوم خاطف يستهدف العمق الإسرائيلي.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى وجود غرفة عمليات مشتركة في بغداد والأردن تضم آلاف العاملين الأجانب، يُعتقد أن جزءًا منهم مرتبط بالحوثيين، ما يضيف طبقة إضافية من القلق بشأن قدرة هذه المجموعات على التحرك في مسارات غير تقليدية.
هجوم مفاجئ.. الهاجس الذي يعيد صياغة الدفاعات
وبناءً على هذه المخاوف، تستند العقيدة الدفاعية الجديدة للحدود الشرقية إلى منع أي هجوم مباغت قبل وصوله إلى داخل إسرائيل، وهذا يتطلب نشر قوات احتياط إضافية، وتثبيت وحدات مراقبة، وإعادة تشغيل النقاط العسكرية المهجورة، وتغيير نمط الانتشار بما يتيح الاستجابة خلال دقائق لا ساعات.
ورغم أن هذه الخطة طُرحت مطلع عام 2024، فإن تنفيذها تأخر بسبب محدودية القوى البشرية في الجيش، لكنها تعود اليوم إلى الواجهة باعتبارها ضرورة ملحّة تفرضها طبيعة التهديدات التي تعيد تشكيل المنطقة.
المشهد الذي ترسمه الصحافة الإسرائيلية يشير إلى مرحلة أمنية مختلفة، لا ترتبط فقط بتطورات الحرب في غزة أو التوتر في الشمال، بل بامتداد الجبهات إلى عمق جغرافي أكبر يشمل العراق واليمن بطرق غير مباشرة.
ومع تصاعد الحديث عن “جبهة شرقية محتملة”، يبدو أن إسرائيل تستعد لمعادلة جديدة تتطلب إعادة بناء خطوط دفاعها في منطقة كانت تعتبرها مستقرة لعقود.
ومع استمرار حالة الغموض حول قدرات المجموعات المسلحة وتحركاتها، تبقى الحدود الشرقية اختبارًا لمدى قدرة إسرائيل على التعامل مع تهديدات متغيرة، وعلى استيعاب تحولات إقليمية قد تجعل من الشرق جبهة لا تقل خطورة عن الشمال والجنوب في السنوات المقبلة.

