تشهد أوكرانيا واحدة من أقسى فصول الشتاء منذ اندلاع الحرب مع روسيا، حيث تنخفض درجات الحرارة في عدد من المدن الشرقية والوسطى إلى مستويات غير مسبوقة، فيما تتواصل الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة، ما يضع منظومة التدفئة والإمدادات الكهربائية تحت ضغط هائل.
ورغم الدعم الغربي المتواصل، يطرح السؤال نفسه بقوة هذا العام: هل تمتلك كييف ما يكفي من الغاز لتجاوز شتاء قد يكون الأكثر صعوبة؟.
ضربة الشتاء القاسية
منذ منتصف عام 2022، استهدفت الضربات الروسية شبكات الكهرباء ومحطات الغاز بشكل مستمر، الأمر الذي أدى إلى تراجع قدرة أوكرانيا على إنتاج الطاقة محليًا، خصوصًا في المناطق المتاخمة لخطوط المواجهة،ومع حلول شتاء 2024-2025، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا؛ فالهجمات الأخيرة طالت محطات فرعية حساسة ساهمت في خفض قدرة الشبكة على تلبية الطلب المتزايد.
وتشير التقديرات الغربية إلى أن أوكرانيا فقدت جزءًا مهمًا من محطات الشحن والتوزيع، وهو ما يُجبر الحكومة على الاعتماد بشكل أكبر على الاحتياطات المخزّنة وعلى الواردات من دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بولندا وسلوفاكيا، ومع ذلك، تبقى هذه الإمدادات معرضة لأي تغيّر سياسي أو أمني في المنطقة.
احتياطات الغاز
وقالت مصادر إنه قبل بداية الشتاء، أعلنت شركة الغاز الأوكرانية أن الاحتياطات تجاوزت 15 مليار متر مكعب، وهو رقم وصفته كييف بأنه كافٍ لتغطية الطلب الشتوي، لكن خبراء الطاقة يشككون في قدرة هذا المخزون على مواجهة تراجع الإنتاج المحلي وتزايد الاستهلاك بسبب موجات البرد والتهديدات العسكرية.
وترى مصادر أن المخزون الحالي يكفي فقط في حال بقيت الهجمات الروسية محدودة ولم تتكرر السيناريوهات التي شهدتها البلاد خلال 2023، عندما اضطرت كييف إلى تنفيذ برنامج لتقنين الاستهلاك في العديد من المدن. أما إذا زادت حدة الهجمات أو تعرضت منشآت التخزين نفسها للاستهداف، فإن أوكرانيا ستدخل في مربع الخطر خلال أسابيع قليلة.
الغرب بين الدعم المتواصل وحدود القدرة
وأوضحت المصادر أن كييف تعتمد إلى حد كبير على المساعدات العسكرية والمالية الأوروبية والأمريكية، لكن دعماً إضافياً في مجال الطاقة يبدو هذه المرة أكثر حساسية، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية حزمة دعم للطاقة تتجاوز 1.5 مليار يورو، تشمل تعزيز خطوط الربط، وتأمين الغاز من الأسواق الأوروبية، وتوفير مولدات ضخمة للمستشفيات والبنية الحيوية، ومع ذلك، تواجه أوروبا تحدياتها الخاصة، وخاصة مع ارتفاع أسعار الغاز في السوق العالمية نتيجة التوترات في الشرق الأوسط والتنافس المتزايد على إمدادات الغاز الطبيعي المسال، وهذا يعني أن دعم كييف ليس مفتوحًا بلا سقف، وأن القدرات الأوروبية قد تواجه ضغوطًا إذا استمرت الأزمة شهورًا إضافية.
وعلى مستوى المدن، تحاول السلطات الأوكرانية السيطرة على الوضع من خلال تزويد المناطق المتضررة بمولدات كهرباء ضخمة، خصوصًا في كييف وخاركيف ودنيبرو. هذه المولدات تُعتبر بمثابة «خط الدفاع الأخير» لمنع انهيار كامل لمنظومة الحياة، لكنها أيضاً تستهلك كميات كبيرة من الوقود الذي يصعب تأمينه تحت القصف.
وتشير تقارير محلية إلى أن بعض الأحياء في كييف تعتمد على توليد الكهرباء لمدة 4 إلى 6 ساعات يوميًا فقط، مما يخلق ضغطًا كبيرًا على المدارس والمستشفيات والقطاعات الحيوية، ويؤثر بشكل مباشر على عمليات الإغاثة وإدارة الطوارئ.
الغاز الروسي
فمنذ بداية الحرب، أعلنت أوكرانيا توقفها الكامل عن شراء الغاز الروسي، لكن بعض الخبراء يؤكدون أن الغاز الذي يمر عبر خطوط أوروبا الشرقية يظل مختلطًا بمصادر روسية. وبالرغم من ذلك، فإن كييف ترفض الاعتراف بأي اعتماد غير مباشر على الغاز الروسي لاعتبارات سياسية وأمنية، إلا أن المعادلة قد تتغير إذا دخلت البلاد في أزمة طاقة صعبة خلال الأسابيع المقبلة، ما قد يفتح نقاشات غير معلنة حول خيارات طوارئ، أبرزها: رفع حجم الواردات من دول المتوسط مثل الجزائر ومصر، أو اللجوء إلى عقود غاز مسال عالية التكلفة عبر موانئ بولندا.
هل تتجاوز كييف الأزمة؟
وقالت مصادر إنه رغم التحديات الكبيرة، تبدو أوكرانيا مصممة على الصمود بدعم شركائها الأوروبيين والغربيين. لكن الحقيقة أن الشتاء الحالي يختبر قدرة كييف على إدارة أزمة طاقة معقّدة في ظل حرب مفتوحة، وبينما يبقى الدعم الدولي عنصرًا حاسمًا، فإن السؤال الأعمق هو، إلى أي مدى يمكن لأوكرانيا أن تعتمد على مخزون الغاز وحده في مواجهة شتاء تحاصره النيران؟

