تعد محافظة المهرة الشاسعة مساحة والممتدة على بحر العرب واحدة من أكثر المناطق حساسية في المشهد اليمني، ليس فقط لأنها تمثل حدود اليمن الشرقية، بل لأنها كانت المنفذ الأخطر الذي عبرت منه الأسلحة والخبراء القادمين من إيران، والأموال نحو مليشيات الحوثي لسنوات.
وقد شكلت هذه المحافظة ممرًا مترامي الأطراف يرتبط جغرافيًا وإمداديًا بشبكات التهريب الإيرانية البحرية والبرية، لتصبح أشبه بشريان حيوي مكن الحوثيين من الحفاظ على تدفق معداتهم العسكرية رغم الحصار والضغوط العسكرية.
ومؤخرًا بدأ الشريان يختنق، على نحو مفاجئ وهادئ، وقد تغير المشهد الميداني في المهرة، لتظهر ترتيبات جديدة أغلقت الطرق التي طالما اعتمدت عليها المليشيات.
تحول مفاجئ يقلب المشهد الميداني
والضربة التي تلقتها مليشيات الحوثي لم تأتِ عبر معركة معلنة، بل عبر مجموعة من الإجراءات الميدانية المنظمة التي نفذتها قوات درع الوطن وقوات محلية من أبناء المهرة والمجلس الانتقالي، والتي انتشرت في المنافذ والموانئ والمطار والمناطق الاستراتيجية.
التحرك غير قواعد اللعبة، فالمهرة لم تعد منطقة رخوة أو فراغًا أمنيًا يمكن اختراقه بسهولة، بل أصبحت منطقة مضبوطة أمنيًا، ما أدى إلى شل أحد أهم خطوط الإمداد التي اعتمدت عليها المليشيات منذ تمددها في الشمال.
وبإغلاق هذا الخط، خسرت المليشيات واحدًا من أهم مواقعها غير المعلنة، ليس من حيث السيطرة، بل من حيث القدرة على الحركة الخفية التي أبقت جبهاتها مشتعلة طوال سنوات الحرب.
الانتشار الجديد يفرض واقعًا مختلفًا
الانتقال الميداني في المهرة جرى بصورة وصفها سكان المنطقة بالهادئة والمنظمة، ما يعكس أن التحركات لم تكن وليدة اللحظة، بل هي جزء من خطة أمنية موسعة بدأت ملامحها تتشكل منذ أشهر.
والقوات المنتشرة ليست طارئة على المشهد العسكري، فهي قوات خاضت مواجهات عنيفة ضد المليشيات في محافظات أخرى، ما أكسبها خبرة كافية في التعامل مع التهريب والخلايا المسلحة والطرق الوعرة.
وجود هذه القوات على طول الشريط الساحلي والطرق الصحراوية الممتدة نحو الربع الخالي أدى إلى إغلاق المنافذ التي طالما استخدمتها المليشيات للتحرك عبر صحراء الجوف، ما يختزل طرقها الخارجية إلى حد غير مسبوق.
الخسارة الكبرى التي لا تُعلنها المليشيات
ولا يكمن تأثير الترتيبات الأخيرة في المهرة فقط في قطع خط تهريب، بل في ضرب أحد أهم مصادر القوة غير المباشرة للمليشيات.
فالمهرة كانت بالنسبة للحوثيين بوابة لتجديد مخزون السلاح والذخائر والتكنولوجيا العسكرية، ومع إغلاق هذه البوابة، تجد المليشيات نفسها أمام مأزق استراتيجي يعطل أحد خطوطها الحيوية ويضعف قدرتها على إدارة الحرب طويلًا.
كما أن إحكام السيطرة على هذه المحافظة ينسجم مع توجهات إقليمية ودولية لتجفيف منابع تهريب السلاح الذي يغذي الصراع في اليمن، وهو ما يعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق اليمني بشكل كامل.
المهرة.. من ثغرة مفتوحة إلى درع أمني
ومع هذا التحول، تتجه المحافظة لأن تصبح نموذجًا لمنطقة تستعيد سيادتها المحلية عبر قوات من أبناءها، مع دعم من التحالف الإقليمي، بما يعيد صياغة علاقتها بالجوار وبالداخل اليمني.
ورغم أن المشهد ما زال في طور التبلور، إلا أن ما حدث يمثل أول خطوة عملية لإغلاق أهم معاقل الحوثيين غير المعلنة، وتحويل المهرة من بوابة تهريب إلى خط دفاع إقليمي.

