في خطوة بدت متعمدة في توقيتها وصياغتها، أصدر البيت الأبيض استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس دونالد ترامب، حاملة معها رؤية أكثر صدامية مع أوروبا وأكثر حزمًا في نصف الكرة الغربي.
الوثيقة، التي تمتد على عشرات الصفحات، تعكس توجهًا رئاسيًا يعتبر أن الولايات المتحدة مطالبة باستعادة نفوذها المباشر، حتى لو جاء ذلك على حساب الشركاء التقليديين.
وتقدم الاستراتيجية نفسها كتصحيح لمسار خارجي طالما رأى ترامب أنه سمح لحلفاء واشنطن بإملاء أولوياتهم دون مراعاة ما يصفه بـ”المصلحة الأمريكية المحضة”.
غرب يعاد ترتيبه على أساس الأمن والهجرة
تبدأ الوثيقة من رؤيتها لطبيعة التحديات داخل نصف الكرة الغربي، حيث تضع الهجرة وتهريب المخدرات وصعود “قوى معادية” في مقدمة الأخطار.
وتشير الخطة إلى توسيع الوجود العسكري البحري وخفر السواحل، إضافة إلى عمليات انتشار هدفها المباشر “تأمين الحدود” و”تحييد الشبكات الإجرامية” عبر تحركات ميدانية تتضمن استخدام القوة عند الضرورة.
ويأتي هذا التحول ضمن مقاربة تستعيد روح مبدأ مونرو، التي تمنح واشنطن حق التدخل الواسع في محيطها الجغرافي طالما رأت تهديداً لمصالحها المباشرة.
الوثيقة تقدم هذه السياسة بوصفها شرطًا أساسيًا لتفوق الولايات المتحدة واستمرار قدرتها على التحرك عالميًا، ومن خلال هذا المنطق، فإن السيطرة على المجال القريب تمثل مقدمة لا غنى عنها لأي دور دولي ترغب الإدارة في الحفاظ عليه.
مواجهة مفتوحة مع الكارتلات.. ونتائج دامية
ولا تخفي الاستراتيجية ميل الإدارة إلى توسيع العمليات الميدانية العنيفة في مواجهة شبكات تهريب المخدرات في المياه الدولية.
وتشير الخلفية المرفقة بالخطة إلى تدمير عشرات القوارب ومقتل العشرات في عمليات متلاحقة، في سياق حملة تعتبرها الإدارة جزءاً من حرب شاملة على تجارة المخدرات العابرة للحدود.
ورغم الجدل القانوني الذي أثارته هذه العمليات، إلا أن الاستراتيجية تربطها مباشرة بتحقيق الردع وإغلاق الممرات التي ترى أنها تهدد الأمن الداخلي.
أوروبا.. الشريك الذي يفقد قيمته الاستراتيجية
القسم المتعلق بأوروبا هو الأكثر حساسية وتأثيرًا، إذ يعكس تحولاً جوهريًا في نظرة الإدارة إلى القارة العجوز، تقدم الخطة قراءة حادة للوضع الأوروبي، متحدثة عن تدهور اقتصادي متسارع واحتمالات تمس “البنية الحضارية” للقارة.
وتذهب الوثيقة إلى ما هو أبعد من التقييم الاقتصادي، لتطرح تساؤلات حول مستقبل حلف شمال الأطلسي ذاته، مستندة إلى تقديرات ترى أن تركيبة بعض أعضاء الناتو قد تصبح “غير أوروبية” خلال عقود، بما قد يغير طبيعة نظرتهم إلى التحالف العسكري مع الولايات المتحدة.
هذا الطرح يكشف بوضوح عن تشكيك متزايد داخل الإدارة في جدوى الالتزامات التقليدية تجاه أوروبا، ويعكس رغبة في إعادة تعريف العلاقة بعيدًا عن الخطاب التاريخي حول “وحدة الغرب” و”التحالف الديمقراطي”.
الحرب في أوكرانيا.. انعكاسات خارج حسابات أوروبا
تمنح الخطة مساحة واسعة لتقييم تداعيات الحرب في أوكرانيا على الداخل الأوروبي، معتبرة أن الصراع لم يؤدّ إلى تقوية القارة كما روجت الحكومات الأوروبية، بل زاد من اعتمادها على الخارج، خاصة في مجالي الطاقة والدفاع.
وتطرح الوثيقة رؤية نقدية لسلوك الحكومات الأوروبية، وتصف رغبة الشعوب في إنهاء الحرب بأنها لا تجد طريقًا إلى السياسات، بسبب ما تراه الاستراتيجية “تآكلاً في آليات صنع القرار الديمقراطي”.

