تواصل المليشيات الحوثية المدعومة من إيران توظيف القضاء كسلاح سياسي عبر موجة جديدة من المحاكمات التي تستهدف مدنيين وموظفين وعاملين في منظمات، في سياق حملة أوسع تهدف إلى إحكام السيطرة وبناء منظومة من الترهيب داخل مناطق نفوذها.
وفي أحدث حلقات هذا التصعيد، أحيل اثنا عشر يمنيًا إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، وهي محكمة مثيرة للجدل لطالما وصفت بأنها أداة بيد الجماعة لشرعنة قراراتها التعسفية.
اتهامات جاهزة ومحاكمات تحت الضغط
والملف الجديد شمل توجيه تهم تتعلق بالارتباط بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في تكرار لسيناريو متصاعد تعتمده المليشيات في محاكماتها الأخيرة.
وترافق هذه القضايا أجواء من عدم الشفافية، وسط غياب الحد الأدنى من الضمانات القانونية، ما يجعلها وفق مراقبين محاكمات سياسية تستخدم لإرسال رسائل داخلية وخارجية، أكثر من كونها إجراءات قضائية حقيقية.
سلسلة متلاحقة تستهدف المدنيين
ولم يكن هذا الإحالة الفردية، بل جاءت بعد ثلاثة أيام فقط من تحويل مجموعة أخرى تضم تسعة مدنيين إلى المحكمة ذاتها، لكن بتهمة مختلفة هذه المرة تتعلق بالتخابر مع جهاز استخبارات بريطاني.
التتابع السريع لهذه القضايا يعكس نمطًا متكررًا يربط بين توقيت المحاكمات وبين لحظات التوتر الأمني والسياسي التي تعيشها الجماعة، خصوصًا منذ الغارات الإسرائيلية الأخيرة على صنعاء التي طالت قيادات حوثية بارزة وأربكت منظومة الجماعة الداخلية.
محكمة بلا ضمانات وقرارات بلا مراجعة
المحكمة الجزائية المتخصصة التي تستند إليها المليشيات الحوثية تواجه انتقادات محلية ودولية لاذعة، بعدما باتت منصة لإصدار أحكام قاسية في جلسات قصيرة لا تتوافر فيها معايير العدالة.
وفي نوفمبر الماضي، أنهت المحكمة ست جلسات فقط كانت كافية لإصدار أحكام بالإعدام بحق سبعة عشر شخصاً وسجن ثلاثة آخرين، في واحد من أسرع القرارات وأكثرها إثارة للجدل، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية دليلاً على انعدام استقلال القضاء في مناطق الجماعة.
بيئة من الخوف وممارسات ممنهجة
منذ أشهر، تشن المليشيات الحوثية حملة اعتقالات واسعة طالت موظفين في مؤسسات محلية ودولية، إضافة إلى ناشطين ومواطنين عاديين.
وتقول منظمات حقوقية: إن هذه الحملة ارتبطت بشكل مباشر بالتداعيات التي خلفتها الغارات الإسرائيلية على قلب صنعاء، والتي أدت إلى مقتل مسؤولين رفيعين بينهم رئيس حكومة الجماعة أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه، وهي ضربة اعتبرت الأكبر للجماعة منذ سنوات.
مؤشرات خطيرة على مستقبل القضاء
وتكشف تقارير حقوقية، من بينها تقرير لمنظمة “سام”، أن مناطق سيطرة الحوثيين شهدت أكثر من 550 حكمًا بالإعدام منذ 2014، معظمها صدرت في سياق سياسي أو طائفي.
الأرقام إلى جانب تسارع المحاكمات ترسم صورة قاتمة لمستقبل العدالة في اليمن، حيث تتحول المؤسسات القضائية إلى أدوات تكميم ومعاقبة، بعيدًا عن دورها الطبيعي في حماية الحقوق وصون القانون.

