تصاعدت التوترات في البحر المتوسط خلال الأسابيع الأخيرة، بعد سلسلة حوادث غامضة استهدفت سفنًا مرتبطة بروسيا أو تعمل ضمن مسارات تجارية تُعد جزءًا من شبكات الطاقة التي تعتمد عليها موسكو لتجاوز القيود الغربية.
ورغم غياب إعلان رسمي يربط هذه الهجمات بأي دولة، فإن المؤشرات السياسية والعسكرية توحي بأن المنطقة تشهد انتقالًا تدريجيًا إلى نمط جديد من الصراع، وهو حرب الناقلات، حيث يتحوّل البحر المتوسط إلى ساحة مواجهة غير معلنة بين القوى الكبرى.
ما هو خط الإمداد الأكثر حساسية لروسيا؟
فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أعادت روسيا تشكيل شبكاتها التجارية، خصوصًا في قطاع الطاقة، بالاعتماد على مسارات بحرية بديلة تمر عبر البحر الأسود والبحر المتوسط وصولًا إلى آسيا وإفريقيا. هذا التحول جعل من المتوسط بوابة محورية للنفط الروسي، بل و“عمودًا فقريًا” في استراتيجية الالتفاف على العقوبات الغربية.
ومع ذلك، فإن هذه الأهمية الاستراتيجية جعلت السفن الروسية عرضة لمخاطر متزايدة، سواء من خلال عمليات استهداف مباشرة، وهجمات سيبرانية على أنظمة الملاحة، واعتراضات استخباراتية، أو تفجيرات غامضة تذكّر بأسلوب “الحرب الرمادية”. وهنا بدأ الحديث داخل الدوائر الدولية عن تحوّل نوعي: الانتقال من الضغط الاقتصادي إلى الضغط البحري.
حرب الناقلات
وأكدت مصادر أن مصطلح حرب الناقلات ظهر في ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب العراقية–الإيرانية، حين تحولت ناقلات النفط إلى أهداف عسكرية مباشرة بهدف ضرب اقتصاد الخصم.
لكن النسخة الحديثة من هذه الحرب أكثر تعقيدًا، لأنها لا تتم بالأساليب التقليدية فقط، بل أيضًا عبر طائرات مسيّرة مجهولة الهوية، وعمليات تخريب تحت الماء باستخدام غواصين أو مركبات صغيرة، وتشويش إلكتروني يربك أنظمة الملاحة ويؤدي إلى اصطدامات متعمدة، وألغام بحرية يتم زرعها بشكل غير معلن.
ومع دخول روسيا طرفًا أساسيًا في سوق الطاقة العالمي بعد العقوبات، باتت ناقلاتها هدفًا محتملاً في هذا النمط من الحروب غير المباشرة.
من يستفيد من ضرب الناقلات الروسية؟
وقالت مصادر إن هناك أطرافًا متعددة قد ترى في إضعاف المسارات التجارية الروسية خدمة لمصالحها، سواء بشكل مباشر أو ضمن شبكة تحالفات أوسع، منها: الدول الغربية المتضررة من التنفّس الاقتصادي الروسي، وقوى إقليمية تخشى من تمدد النفوذ الروسي في سوريا وشرق المتوسط، ومنافسون تجاريون في سوق الطاقة، وأطراف غير دولية تبحث عن مكاسب في الفوضى البحرية.
لكن رغم تعدد المستفيدين المحتملين، فإن الرسالة تبدو واحدة: روسيا تتحرك في منطقة أصبحت تحت رقابة نارية معقّدة.
هل تقف روسيا على أعتاب صراع بحري مفتوح؟
وأشارت المصادر أنه إذا استمر التصعيد، فإن البحر المتوسط قد يصبح مسرحًا لمعادلة جديدة، فروسيا تريد الحفاظ على سيولتها التجارية، والدول المتضررة من النفط الروسي تريد الحد منها، والقوى الإقليمية تبحث عن توازنات جديدة.
هذه التركيبة قد تدفع الصراع نحو مراحل أكثر خطورة، أبرزها توسيع انتشار السفن الحربية الروسية، واستخدام الطائرات المسيّرة كسلاح ردع، ورفع مستوى الاحتكاك بين روسيا وحلف الناتو في البحر. ومع أن موسكو لا ترغب في مواجهة مباشرة، فإن استمرار الضغط قد يفرض عليها خيارات صعبة.
هل البحر المتوسط على وشك الانفجار؟
وترى المصادر أن المنطقة تشهد منذ سنوات توترًا متصاعدًا يرتبط بقضايا الطاقة، وحدود المياه الاقتصادية، والغاز الطبيعي، والتنافس العسكري بين قوى كبرى.
ومع دخول روسيا بثقلها، أصبح المشهد أكثر حساسية، وإذا تحولت الهجمات الأخيرة إلى نمط دائم، فإن المتوسط قد يشهد صدامات بحرية محدودة، وزيادة التوتر بين روسيا والناتو، وإغلاق أو تعطيل ممرات تجارية، وسباق تسلّح بحري في المنطقة.
ورغم أن روسيا لم ترد بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن استمرار هذه الهجمات قد يدفعها إلى إعادة صياغة وجودها البحري في المتوسط، وربما تطوير تحالفات جديدة لضمان أمن خطوطها الاستراتيجية.

