تشهد تونس تحوّلات سياسية متسارعة، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة تُعيد رسم موازين القوى الداخلية، في ظل تحركات متصاعدة تستهدف جماعة الإخوان ممثلةً في حركة النهضة، وما يرافقها من ملفات تُوصف بالصندوق الأسود للعقد الماضي.
ووفق المصادر، فإن هذا الصندوق الذي يحتوي على شبكةٍ معقّدة من النفوذ السياسي والاقتصادي والتنظيمي، بات محورًا لجدلٍ واسع حول مستقبل البلاد، وحدود التغيير الذي يمكن أن تصل إليه السلطة في معركتها لإعادة صياغة المشهد.
من أين بدأ المسار؟
وأكدت مصادر أن عودة ملف الإخوان إلى واجهة الأحداث لم تكن مفاجئة تمامًا، لكنها اكتسبت زخمًا أكبر مع توسّع التحقيقات المتعلقة بما يُعرف بملف التسفير، وملفات التمويل الأجنبي، و”الجهاز السري” الذي تتهم السلطات حركة النهضة بإدارته للتغلغل داخل مؤسسات الدولة والأمن والقضاء.
وقالت إن السلطة الحالية، بقيادة الرئيس قيس سعيّد، قدّمت هذا المسار باعتباره خطوةً ضرورية لتحرير الدولة واستعادة سيادتها، وقد ربطه سعيّد مرارًا بمحاولاتٍ سابقة لاختراق مؤسسات الدولة وتوجيهها لخدمة أجندةٍ حزبية.
جوهر التحرك
وفق رؤى المصادر، لا يقتصر التحرك على محاسبة النهضة سياسيًا، بل يمتد إلى محاولة تفكيك شبكات النفوذ التي تداخلت مع الاقتصاد والإعلام والجمعيات خلال سنوات حكم ما بعد الثورة.
وتشير تقديراتٌ إلى أن جزءًا كبيرًا من توسّع النهضة لم يكن قائمًا على الشعبية السياسية فحسب، بل على شبكة نفوذٍ موازية خلقت نوعًا من “الدولة داخل الدولة”.
ما الذي يتغيّر في الخارطة السياسية؟
وأضافت المصادر أن التحرك ضد الإخوان في تونس قد يُعيد تشكيل المشهد السياسي في ثلاثة اتجاهاتٍ رئيسية، هي: نهاية الاحتكار القديم للمعارضة، وصعود الدولة كفاعلٍ سياسي مركزي، وتشَكُّلُ معارضةٍ جديدةٍ بلا إخوان.
مستقبل الخارطة السياسية
ورجّحت المصادر استمرار الدولة في تحجيم الإخوان، وتشكيل نظامٍ سياسي قائمٍ على أحزابٍ صغيرةٍ وضعيفةٍ نسبيًا، مع تعزيز دور مؤسسات الدولة، مؤكدةً أن هذا النموذج قد يُحدِثُ استقرارًا مرحليًا، لكنه قد يحدّ من التنافس السياسي الحقيقي.
وفي حال ظهرت قوى سياسيةٌ جديدةٌ قادرةٌ على التنظيم والانتشار، ووجدت دعمًا اجتماعيًا، فقد يُعاد بناء مشهدٍ متعددِ الأقطاب، مع بقاء النهضة في الخلفية كلاعبٍ ثانوي، وليس كقوةٍ مهيمنة.
واختتمت المصادر بأن التحرك ضد الإخوان في تونس يبقى أوسع من مجرد محاسبةٍ سياسية، فهو يُعبّر عن رغبةٍ عميقة في إعادة تعريف الدولة، وطبيعة السلطة، وحدود الدين في السياسة.
ورغم أن الطريق يبدو معقدًا وطويلًا، فإن الواضح هو أن الخارطة السياسية القديمة قد انتهت بالفعل، وأن تونس تقف على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ، لا تزال ملامحها تتشكل في ظل صراعٍ مفتوحٍ بين إرادة الدولة، وتحولات المجتمع، وتراجع القوى التقليدية.

