تعود جبهة الطرقات إلى واجهة المشهد اليمني من جديد، لكن هذه المرة في سياق أكثر تعقيدًا واتساعًا، فالتوتر المتصاعد وما تشهده مناطق التماس من عمليات تقطع في الحدود بين تعز ولحج، من اعتداءات، استهداف مدنيين، وتغيير في خرائط النفوذ، يكشف عن مرحلة جديدة من الصراع.
ومع تواتر التقارير حول ضلوع عناصر من حزب الإصلاح الإخواني في عرقلة حركة المدنيين والبضائع بين المحافظتين، تتبدى صورة خطيرة لمسرح عمليات جديد لا يتخذ من الجبهات التقليدية مسرحًا له، بل من الطرقات والحدود الداخلية التي يفترض أن تكون شرايين حياة لليمنيين.
كيف تحولت الطرق إلى خطوط اشتباك؟
وكانت الطرق الرابطة بين تعز ولحج شريانًا تجاريًا واجتماعيًا بالغ الأهمية، إذ يعتمد سكان المحافظتين على هذا الممر لتنقلاتهم، ولتدفق السلع الغذائية والطبية، لكن منذ أشهر، كشفت مصادر عن نقاط تقطع تنصب فجأة في المناطق الرابطة، واعتداءات تستهدف سيارات مدنيين، وفرض جبايات وإتاوات قسرية، واختطاف مسافرين تحت ذرائع سياسية.
ووفق المصادر فإن هذه الأنشطة لا تتم بشكل فردي أو عشوائي، بل ضمن منظومة تخدم أهداف حزب الإصلاح في إعادة رسم توازنات القوى جنوب غرب اليمن، عبر استخدام الطرقات كأداة ضغط سياسي وأمني.
لماذا تستهدف الطرقات؟
وأوضحت المصادر، أنه على الرغم من أن الجبايات تمثل عنصرًا مهمًا في تمويل الجماعات المسلحة، فإن الدوافع هنا ذات طابع استراتيجي أوسع، أبرزها السيطرة على مسارات الإمدادات و الإمساك بعقد الطرق بين لحج وتعز وهو يعني التحكم في إمدادات الوقود والمواد الغذائية القادمة من عدن والضغط على السلطة المحلية في تعز و إعاقة أي جهود لفتح طرق جديدة تشرف عليها أطراف منافسة.
وأكدت، أنه من خلال السيطرة على الطرق الرئيسية، يسعى الحزب إلى فرض أمر واقع جديد يعيد وضعه كلاعب أساسي في خريطة الجنوب.
شهادات تكشف حجم الكارثة
وكشفت مصادر عن نماذج مقلقة من الجرائم، بينها احتجاز سيارات شحن محملة بالأدوية وإجبارها على دفع مبالغ مالية كبيرة وخطف سائقين بحجة الاشتباه ثم الإفراج عنهم مقابل فدية وإجبار شاحنات على تغيير وجهتها إلى طرق وعرة تتحكم فيها مجموعات مسلحة وسرقة بضائع تحت التهديد، وتخريب سيارات رفضت الدفع.
وأشارت تقارير محلية، إلى أن البنية التنظيمية لهذه العمليات تظهر ارتباطًا واضحًا بعناصر تتلقى دعمًا سياسيًا وماليًا من قيادات إخوانية في تعز، ما يجعل الصراع على الطرق جزءًا من معركة النفوذ داخل المحافظة وخارجها.
هل تتجه الأمور نحو مواجهة مفتوحة؟
وترى المصادر، أن المؤشرات الحالية تشير إلى احتمال تطور الوضع إلى اشتباكات واسعة إذا استمرت الجرائم في هذا المسار، خاصة أن قوات الحزام الأمني عززت وجودها في مناطق قريبة من الطريق والسلطات المحلية في لحج تتحدث عن حماية الطرقات “بأي وسيلة ضرورية وأطرافًا قبلية بدأت تتشكل لمواجهة عناصر التقطع وتزايد الاحتقان بين سكان المناطق الحدودية.
ورغم أن الطرفين يتجنبان حتى الآن مواجهة شاملة، فإن استمرار جرائم الطرقات يفتح الباب أمام تصعيد عسكري قد يغير خريطة السيطرة في الجنوب والغرب اليمني.
تداعيات إقليمية
واختتمت المصادر، أن الطرق الرابطة بين تعز ولحج ليست مجرد ممر محلي، بل تحمل أهمية إقليمية لأسباب تتعلق بخط الإمداد نحو ميناء عدن، وأي اضطراب هنا يهدد حركة التجارة الدولية المرتبطة بالميناءو المساعدات الإنسانية، ومنظمات الإغاثة تعتمد بشكل كبير على هذا المسار للوصول إلى ملايين السكان و جهود التهدئة، وأي تصعيد قد يعرقل مفاوضات الحل السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة.
وتشير المعطيات إلى أن استمرار هذا الوضع سيدفع الأطراف المحلية والإقليمية إلى إعادة تعريف معركة تعز ولحج، ليس فقط كصراع محلي، بل كجزء من معادلة النفوذ بين قوى اليمن المتصارعة، ومعركة تُدار على الطرق لا على الجبهات التقليدية.

