مع تصاعد الأزمات السياسية بالعراق، وتباطؤ تنفيذ الخطط التنموية، وارتفاع فاتورة الرواتب والدعم، بدأ الحديث يعود مجددًا حول السؤال الأصعب، هل ستُجبر بغداد على اللجوء إلى القروض المشروطة من المؤسسات الدولية؟
كيف تهدد الضغوط المالية التوازن الاقتصادي؟
وقالت مصادر: إن الاقتصاد العراقي يُعد من أكثر الاقتصادات التي تعتمد على النفط بشكل شبه كامل، إذ يشكل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، لكن هذا الاعتماد المفرط يجعل الميزانية عرضة لتقلبات أسعار النفط، ومع تذبذب الأسعار العالمية واستقرارها عند مستويات لا تحقق الإيرادات المرجوة لتمويل الموازنة الضخمة، تبرز الفجوة التمويلية كأرقّ نقطة في المشهد الاقتصادي.
وأوضحت المصادر، أن العراق رغم أنه يمتلك احتياطيًا نقديًا ضخمًا نسبيًا، إلا أن الحكومة تدرك أن اللجوء إلى السحب من الاحتياطي بشكل مستمر يعد خيارًا خطيرًا على المدى البعيد، لأنه يهدد الاستقرار المالي ويؤثر في سعر الصرف ويمنح إشارات سلبية للأسواق.
القروض المشروطة
وقالت المصادر: إن تجربة العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليست جديدة، فقد سبق أن لجأت بغداد إلى برامج تمويلية مشروطة في فترات سابقة عندما تدهورت أسعار النفط أو تفاقمت الأزمات الأمنية، وتقوم هذه القروض عادة على اشتراطات تشمل إصلاحات مالية وهيكلية، مثل إعادة هيكلة الدعم الحكومي للوقود والغذاء ومعالجة تضخم فاتورة الرواتب و تحسين إدارة المؤسسات الحكومية و تطبيق نظام ضريبي فعال و زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
وأشارت، أن هذه الشروط، رغم أهميتها في نظر المؤسسات الدولية، تمثل تحديًا كبيرًا لأي حكومة عراقية لأنها تحمل تبعات اجتماعية وسياسية واسعة، فالشارع العراقي حساس تجاه رفع الأسعار أو تقليص الدعم، في وقت يعاني فيه المواطن من ضغوط معيشية كبيرة، لكن على الجانب الآخر، توفر القروض المشروطة ميزات مهمة، أبرزها توفير سيولة فورية لسد فجوات الموازنة، واستعادة ثقة المستثمرين الدوليين، وتخفيض المخاطر الاقتصادية على المدى المتوسط، ما يمنح الحكومة فرصة لالتقاط الأنفاس.
ما هي سيناريوهات المستقبل؟
واختتمت المصادر، أنه يمكن تلخيص الخيارات أمام بغداد بثلاثة سيناريوهات رئيسية منها اللجوء إلى القروض المشروطة وهو السيناريو المرجح إذا استمرت الضغوط المالية الحالية. لكن اعتماده يتطلب استعدادًا سياسيًا وشعبيًا لتحمل تبعاته، أو الاعتماد على الاحتياطي النقدي وهو خيار ممكن لكنه محفوف بالمخاطر إذا طال أمد العجز، والسحب المستمر من الاحتياطي والذي قد يؤدي إلى تآكل قدرة العراق على تثبيت سعر الصرف ويضر التصنيف الائتماني، والسيناريو الأخير وهو إطلاق إصلاح اقتصادي شامل وهو الخيار المثالي نظريًا، لكنه يحتاج قرارًا سياسيًا شجاعًا وتوافقًا بين القوى الداخلية، بالإضافة إلى وقت طويل قبل ظهور نتائجه.

