تعاني القوى المدنية بالسودان من أزمة عميقة في الشرعية الشعبية بسبب الانقسامات الداخلية، والتجاذبات بين قوى الحرية والتغيير وأحزاب أخرى حاولت التمايز عن المشهد دون تقديم رؤية واضحة.
وقالت مصادر: إنه مع تصاعد القتال، بدا واضحًا أن المكوّن المدني كان الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية، إذ انشغلت الأحزاب بخلافاتها، بينما فقد الشارع الثقة في قدرتها على حماية مكتسبات ثورة ديسمبر، هذا الفراغ السياسي أتاح مساحة للتجاذب العسكري وإعادة تشكيل مراكز القوة، ما جعل عودة القوى المدنية للواجهة مهمة شديدة الصعوبة، خاصة مع بروز قوى محلية جديدة وواقع أمني متفكك يُدار بقواعد القوة لا بقواعد السياسة.
ما هو تأثير الحرب على بنية القوى المدنية؟
وأوضحت المصادر، أن الحرب أدت إلى تفكك البنية التنظيمية لمعظم القوى المدنية، وكثير من قادتها إما نازحون أو خارج البلاد، ومكاتبها التنظيمية انهارت بفعل الدمار في الخرطوم ودارفور.
كما فقدت القوى المدنية أدوات الحشد، سواء عبر الشارع أو عبر المؤسسات التي كانت تُعد من ركائز المرحلة الانتقالية قبل سقوطها، كما تسبّب النزاع المسلح وفق ما طرحته المصادر في تهميش دور النقابات المهنية التي لعبت دورًا مركزيًا في ثورة ديسمبر، إذ انشغل غالبية أعضائها في النجاة من آثار الحرب، ما أعاد البلاد إلى مربع السيطرة العسكرية المطلقة على القرار السياسي.
وقالت: إنه رغم ضعفها، ما تزال هناك محاولات جادة لرأب الصدع بين مكونات القوى المدنية، خصوصًا المبادرات التي طرحتها مجموعات مهنية وشخصيات مستقلة، تدعو إلى تشكيل مظلة سياسية جديدة بعيدًا عن الانقسامات السابقة.
ما هي السيناريوهات المستقبلية لدور القوى المدنية؟
وكشفت المصادر، أن السيناريو الأول لدور القوى المدنية هو عودة قوية عبر قيادة جديدة، ففي هذا السيناريو، تنجح القوى المدنية في إعادة إنتاج نفسها من خلال بروز قيادات شابة غير محسوبة على الصراعات السابقة
أما عن السيناريو الثاني وفق رؤية المصادر هو عودة شكلية بلا تأثير، فقد تعود القوى المدنية إلى الطاولة لكن بشكل صوري، عبر آليات تفاوض تُستخدم فيها كغطاء سياسي من دون أن تمتلك وزنًا فعليًا، حيث يحدث ذلك إذا فشلت القوى في توحيد رؤيتها أو تقديم بديل حقيقي للشارع، والسيناريو الثالث هو دفن نهائي للدور المدني، وهذا السيناريو يلوح بقوة إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، ونجح أطراف النزاع في فرض واقع عسكري جديد يغيب فيه أي دور مدني في المرحلة الانتقالية، ويُعد هذا السيناريو الأخطر لأنه يفتح الباب أمام دولة شديدة الهشاشة وغير قابلة للسلام الدائم.
واختتمت المصادر، أنه رغم كل التحديات، فإن القوى المدنية في السودان لم تُدفن بالكامل، لكنها بالتأكيد بحاجة إلى إنعاش حقيقي يعيد لها قدرتها على التأثير، فالمشهد لا يحتمل عودة شكلية أو شعاراتية، بل يحتاج إلى قوة سياسية قادرة على إدارة مرحلة انتقالية معقدة تتطلب شجاعة ووضوحًا وقدرة على تجاوز أخطاء الماضي.

