مع انتقال الأزمة اللبنانية من حدود الاقتصاد إلى صميم الخدمات الحيوية، اتجهت الأنظار نحو المستشفيات الحكومية، التي تحولت خلال السنوات الأخيرة من مؤسسات تقدم الرعاية بحدها الأدنى إلى منشآت تكافح للبقاء، في ظل انهيار بلا قاع يهدد قدرتها على العمل.
تفكك المنظومة الصحية
حيث كشفت مصادر، أنه منذ عام 2019، دخل لبنان نفقًا مظلمًا من الانهيار المالي، انعكس مباشرة على موازنات الوزارات والمؤسسات العامة، بما فيها وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها، ومع الانخفاض الكبير في قيمة الليرة اللبنانية وتآكل القوة الشرائية للأجور الحكومية، أصبحت المستشفيات عاجزة عن تغطية نفقاتها الأساسية، بدءًا من رواتب الموظفين وصولًا إلى صيانة المعدات وتأمين الأدوية.
ما هي أبرز انعكاسات تدهور التمويل؟
وأكدت المصادر، أنه من أبرز انعكاسات تدهور التمويل هو تراجع قدرة المستشفيات على صيانة أجهزتها الطبية، فبعض المستشفيات ما زالت تستخدم معدات مضى على تشغيلها أكثر من 15 عامًا، دون قدرة على استبدالها أو صيانتها بشكل دوري، الأمر وصل لدرجة إخراج أقسام كاملة من الخدمة، مثل أجهزة التصوير الشعاعي والرنين المغناطيسي، ووحدات العناية الفائقة، وحتى غرف العمليات.
الأزمة الدوائية
وأوضحت أيضًا، أن تأمين الدواء يشكل التحدي الأكبر للمستشفيات الحكومية، فمع توقف الدعم الرسمي عن معظم الأدوية وتحرير الأسعار، أصبحت المستشفيات غير قادرة على شراء المخزون اللازم، مؤكدة أن بعض الأدوية الأساسية مثل أدوية القلب والسرطان والمضادات الحيوية أصبحت تُطلب من المرضى ليحضروها بأنفسهم، وهو ما يتعارض مع دور المستشفيات الحكومية القائمة على خدمة الفئات الأكثر حاجة، وفي الحالات الطارئة، يجد الأطباء أنفسهم أمام خيارات محدودة وخطيرة، بين تأجيل العلاج أو البحث عن بدائل أقل فعالية، هذا أدى إلى ارتفاع كبير في نسبة الوفيات داخل المستشفيات الحكومية، خصوصًا بين كبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
واختتمت المصادر، أن القطاع الصحي اللبناني يمرّ بمرحلة غير مسبوقة من التدهور، أمام انهيار بلا قاع يضرب التمويل الحكومي ويحرم المستشفيات من قدرة العمل الطبيعية، فالبنية التحتية تتآكل، الكوادر تغادر، والأدوية تنفد، بينما يزداد الضغط على مؤسسات تكافح فقط لتبقى أبوابها مفتوحة.
يذكر أن الحكومة اللبنانية أعلنت مرارًا نيتها دعم المستشفيات الحكومية، لكن الواقع يشير إلى أن معظم الخطوات عبارة عن مسكنات لا تلامس جوهر الأزمة.

