تعيش الساحة السورية حالة استنفار أمني متصاعد مع بروز معطيات جديدة حول تحركات شبكات وصفت بأنها إرهابية، تعمل في مناطق مختلفة داخل البلاد وتستغل حالة الفوضى التي تلت سقوط النظام السابق.
مصدر سوري مطلع، أكد أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدًا ملحوظًا في عمليات الملاحقة والتفكيك، في إطار حملة واسعة تهدف إلى استعادة السيطرة على المشهد الأمني ومواجهة الأخطار التي تتجاوز حدود الجريمة المنظمة إلى تهديدات إقليمية مركبة.
تحركات سرية وتمويل خارجي يرفع مستوى المخاطر
وفق المعلومات المتداولة داخل الدوائر الأمنية، باتت لدى الدولة السورية صورة أوضح عن آلية عمل تلك الشبكات، التي تتخذ من مناطق نائية وبعيدة عن السيطرة الكاملة نقاطاً لنشاطها.
وتفيد التقديرات، بأن التنظيمات القائمة تعتمد على مصادر تمويل معقدة، بعضها خارجي، ما يمنحها قدرة على الحركة والاستمرار رغم التضييق.
وتشير المعطيات إلى احتمال تورط أطراف إقليمية في تحريك بعض هذه الخلايا، عبر شبكات تهريب تعمل على خطوط حدودية غير مستقرة.
ويرجح أن يتم استخدام المهربين كوسطاء لنقل التمويل والسلاح، بما يتيح تشغيل مجموعات صغيرة تتحرك تحت سقف منخفض من الرصد، ما يزيد من صعوبة مواجهتها.
إرث الفوضى الأمنية يطفو من جديد
أحد العوامل التي ساعدت على بروز هذه الشبكات هو الانتشار الواسع للأسلحة عقب الانهيار السياسي والأمني الذي شهدته البلاد نهاية عام 2024، حيث أدى الفراغ في مؤسسات الدولة وغياب الرقابة إلى تأسيس بؤر تهريب نشطة سرعان ما تحولت إلى بنية متداخلة مع مجموعات ذات توجهات متطرفة.
هذا المشهد، الذي تشكل في غياب سلطة مركزية متماسكة، أتاح للمجموعات المسلحة بناء شبكات تهريب قادرة على تأمين التمويل والموارد اللوجستية، قبل أن تبدأ تدريجيًا بالارتباط بجهات خارجية تسعى لاستثمار الواقع الأمني في سوريا لصالح أجنداتها.
مرحلة جديدة من المواجهة الأمنية
الحكومة السورية التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق تعمل حاليًا على إعادة بناء المنظومة الأمنية وتثبيت حضور الدولة في المناطق التي شهدت انفلاتًا واضحًا خلال العامين الماضيين.
تشير التوجهات الرسمية إلى استراتيجية تقوم على الجمع بين العمليات الميدانية والملاحقة الاستخبارية، مع اعتماد أساليب مرنة لضرب الشبكات قبل إعادة تجذيرها.
وتؤكد مصادر مطلعة، أن الجهود الحالية لا تقتصر على تفكيك الخلايا التي تم رصدها، بل تمتد إلى تحليل مسارات التمويل، وكشف خطوط الدعم الإقليمي، وتحديد الأفراد الذين يلعبون دور الوسيط بين المجموعات داخل سوريا وأطراف خارجية.
هذا النوع من العمل، رغم تعقيداته، يوصف بأنه المرحلة الأكثر حساسية في “إعادة هندسة” الأمن السوري.
تداخل أمني وسياسي يعقد المشهد
تزامنًا مع هذه التحركات، تتزايد المخاوف من انعكاسات أعمق على المشهد الداخلي، خصوصًا في ظل احتدام التنافس بين القوى المحلية والإقليمية على رسم شكل المرحلة المقبلة سياسيًا وأمنيًا.
المسار الدبلوماسي الذي تحاول دمشق تكريسه يواجه تحديات متنامية، بينما تعمل جهات أخرى على استخدام الشبكات المسلحة كأداة ضغط.
ويبدو أن سوريا تدخل مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات السياسية مع الضرورات الأمنية. فنجاح الحكومة في ضبط هذه الشبكات سيكون اختبارًا لقدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية، بينما أي إخفاق قد يعيد البلاد إلى مربع الفوضى.

