تبنّى الرئيس التونسي قيس سعيّد، منذ وصوله إلى الحكم، نهجاً حادّاً في التعامل مع الإرث السياسي الذي تركه حزب النهضة خلال عقد من الزمن، ذلك الحزب الذي قاد حكومة ما بعد 2011، ونسج شبكات نفوذ امتدّت داخل الإدارة، والبلديات، والبرلمان، وحتى مفاصل الاقتصاد والمجتمع المدني.
وقالت مصادر إنّه على مدار السنوات الماضية، ومع قرارات 25 يوليو 2021 وما تلاها من إجراءات استثنائية، بدأت مرحلة جديدة في تونس تحاول فيها الدولة تفكيك منظومة نفوذ متجذّرة اعتبرها الرئيس مهدِّدة للدولة ومعرقلة للإصلاح.
قرارات 25 يوليو
وأوضحت المصادر أنّه مع إعلان الرئيس سعيّد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، كانت أول ضربة موجِعة لشبكات النهضة، فقد كانت الحركة تعتبر البرلمان مركز ثقلها ومجال نفوذها الأول.
وقالت إنّه كان واضحاً أن قيس سعيّد يستهدف بنية النفوذ داخل الدولة، وليس فقط الرأس السياسي، لذلك اتّخذ سلسلة خطوات مؤثّرة، منها مراجعة التعيينات داخل الوزارات، وإنهاء عقود مستشارين ومسؤولين محسوبين على الحركة، وضبط الجمعيات التي كانت واجهات غير معلنة. ومع فتح ملفات القضاء والفساد والاغتيالات السياسية، حدث تحوّل مفصلي في معركة النفوذ.
قيس سعيّد يفقد النهضة قوتها في الشارع
واعتمد قيس سعيّد بشكل واضح على الشرعية الشعبية، فقد نجح في تصوير تحرّكه على أنّه تصحيح لمسار الثورة، ومواجهة للفساد، واستعادة للدولة من لوبيات حزبية. وهنا تلقّت النهضة ضربتها الأقسى؛ فقدت الشارع الذي كان يمثّل قوتها الأولى عام 2011، وتراجع حضورها في الشارع جعلها غير قادرة على الحشد أو التأثير، وأصبحت تواجه غضباً شعبياً لا يقل خطورة عن القرارات السياسية.
هل انتهى نفوذ النهضة أم أنّه يعيد تشكيل نفسه؟
وقالت المصادر إنّه رغم الضربات التي تلقّاها الحزب، إلا أنّ شبكات النفوذ لا تختفي نهائياً؛ بل تحاول إعادة التموضع في المجتمع المدني، وبناء تحالفات خارجية، وتنشيط شبكات الإعلام البديل، والاستثمار في الأزمة الاقتصادية لتوجيه الغضب نحو الرئيس. لكن قدرة هذه الاستراتيجية على النجاح تبدو محدودة في ظل الرقابة، والشارع الغاضب، والملفات القضائية المفتوحة.
تفكيك شبكات النفوذ
وترى المصادر أنّه مع تفكيك البرلمان، وإعادة تشكيل القضاء، ومراجعة التعيينات، وملاحقة التمويل الأجنبي، وتغيير قواعد اللعبة السياسية، تلقّت النهضة أكبر ضربة منذ تأسيسها. لكن المعركة لم تنتهِ بعد؛ فالنهضة اليوم ليست في موقع القوة، لكنها ليست خارج المشهد تماماً. ومستقبلها سيتحدّد بناءً على قدرة الدولة على الاستمرار في الإصلاح، وقدرة الحزب على إعادة إنتاج نفسه، وتوازنات الخارج التي لطالما أثّرت في الداخل التونسي. وفي كل الأحوال، تبقى مرحلة ما بعد 25 يوليو نقطة تاريخية في تونس، وضربة أعادت رسم مسار الدولة وأضعفت واحدة من أقوى شبكات النفوذ في شمال أفريقيا.

