شكّل ملف برنامج إيران النووي واحدًا من أكثر الملفات اشتعالًا في الشرق الأوسط، وتحديدًا ما يتعلق بعمليات تخصيب اليورانيوم التي اعتبرتها القوى الغربية مؤشرًا على نية طهران تطوير قدرات عسكرية.
تحول استراتيجية إيران النووية
وقالت مصادر إنه على مدار السنوات الماضية، اتبعت إيران سياسة واضحة يمكن وصفها بـ”الاستفزاز المفتوح”، من خلال زيادة مستويات التخصيب، وتوسيع منشآتها النووية، وإرسال رسائل ردع سياسية وأمنية للعالم، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن طهران قد تكون بصدد تحويل استراتيجيتها.
إيران بين التصعيد والتهدئة
وأكدت المصادر أن السنوات الماضية شهدت سلسلة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية على إيران، إضافة إلى توترات غير مسبوقة في الإقليم، من العراق إلى سوريا واليمن وغزة. وفي ظل هذه البيئة، أصبح ملف التخصيب ورقة استراتيجية تمتلك طهران التحكم في توقيتها واتجاهاتها.
وقالت إن هناك ثلاثة عوامل دفعت إيران إلى مراجعة نهج الاستفزاز المفتوح، منها الضغوط الاقتصادية القاسية، والتوازنات الإقليمية الجديدة، والرسائل الأميركية – الأوروبية الأخيرة.
ما هي استراتيجية الإلهاء؟
وكشفت المصادر أن استراتيجية الإلهاء لا تعني التراجع الكامل، بل تعني إبعاد الأنظار عن نقطة الاشتعال الأساسية، وتحويل الاهتمام الدولي نحو ملفات جانبية أو مختلطة، بهدف كسب الوقت، وتهدئة الضغوط، ومنع تشكّل تحالف دولي ضدها، وفرض معادلات جديدة قبل العودة للتفاوض.
هل يعني ذلك نهاية مرحلة الاستفزاز المفتوح؟
وترى المصادر أن النقاش لا يتعلق بعملية التخصيب نفسها، بل بنمط إدارة الإعلان السياسي عنها. فمن الناحية العملية، لا توجد مؤشرات على أن إيران أوقفت التخصيب، لكن هناك مؤشرات على أنها غيّرت طريقة التعامل معه.
وأضافت أن هناك دلائل تشير إلى انتهاء مرحلة الاستفزاز، منها انخفاض التصريحات الرسمية التي تهدد برفع مستويات التخصيب، وتركيز المسؤولين الإيرانيين على الحوار وليس المواجهة، وتزايد الرسائل الدبلوماسية غير المعلنة مع العواصم الغربية، ومحاولة تهدئة الجبهات الإقليمية التي قد تنعكس سلبًا على الملف النووي.
لماذا يُعتبر التخصيب ورقة ضغط استراتيجية لإيران؟
وقالت المصادر إن القيادة الإيرانية تدرك أن برنامج التخصيب ليس مجرد مشروع علمي، بل أداة ردع ضد أي تهديد محتمل، وورقة مساومة في أي مفاوضات مع الغرب. لذلك، فإن أي حديث عن توقف أو إنهاء مرحلة الاستفزاز لا يعني التخلي، بل يعني تغيير التكتيك مع الحفاظ على الهدف النهائي.
السيناريوهات المستقبلية
واختتمت المصادر أن استمرار استراتيجية الإلهاء مع تثبيت الوضع الحالي يعد السيناريو المرجح، حيث تواصل طهران مستويات التخصيب الحالية دون إعلان صاخب، مقابل إشارات دبلوماسية إيجابية للغرب. وقد تلجأ إيران إليه إذا شعرت أن الضغوط الدولية تستهدف النظام نفسه، أو إذا تعرّضت منشآتها لهجوم كبير. وربما تستغل الهدوء الراهن للدخول في مفاوضات تؤمّن لها مكاسب اقتصادية دون أن تتخلى عن بنيتها النووية الأساسية. وفي حال حدث تطور كبير في المنطقة، مثل مواجهة واسعة أو ضغط إسرائيلي غير مسبوق، يمكن أن تعود طهران لاستخدام ورقة التخصيب بجرأة أكبر.

