بعد قرابة عشرين عامًا من ظهوره كأبرز واجهة إعلامية ناطقة باسم الجيش الإسرائيلي، يستعدّ العقيد أفيخاي أدرعي لمغادرة منصبه، في خطوة تُنهي واحدة من أطول المسيرات الإعلامية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
القرار، الذي وصفه مراقبون بأنه “تحوّل رمزي”، يعكس تغيّرًا في ملامح الخطاب الإسرائيلي الموجّه إلى العالم العربي، بعد سنوات من الحملات التي جمعت بين التبرير العسكري والدعاية النفسية.
أدرعي، الذي اشتهر بطلّته الدائمة على الشاشات العربية وبإتقانه اللغة العربية الفصحى، ارتبط اسمه بكل مواجهة خاضتها إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا.
كان الواجهة التي تصوغ رواية الجيش وتبرّر تحركاته العسكرية في أكثر اللحظات دموية، مستندًا إلى مزيج من الرسائل الدعائية والتحذيرات الميدانية التي طالما أثارت الجدل.
من ناطق عسكري إلى أيقونة إعلامية مثيرة للجدل
لم يكن أدرعي مجرّد متحدث رسمي، بل تحوّل إلى شخصية جدلية تخاطب الشارع العربي عبر حساباته الشخصية ومقاطع الفيديو القصيرة التي يبثّها على مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتمد أسلوبًا يزاوج بين الهدوء الدعائي والمخاطبة المباشرة للجمهور، موجّهًا رسائل إلى السكان في غزة أو جنوب لبنان، وأحيانًا إلى خصوم إسرائيل في سوريا واليمن والعراق، في محاولات وصفها خصومه بأنها دعائية أكثر منها تواصلًا إعلاميًا.
لكن هذه الحملات، رغم فاعليتها في خلق حضور مستمر للخطاب الإسرائيلي داخل الفضاء العربي، أثارت انتقادات حادّة من محلّلين عرب اعتبروها امتدادًا للحرب النفسية التي تمارسها تل أبيب ضمن أدواتها غير العسكرية.
تحوّلات في استراتيجية الجيش الإعلامية
خلال السنوات الأخيرة، ولا سيّما بعد حرب أكتوبر 2023، لعب أدرعي دورًا محوريًا في تنفيذ استراتيجية الجيش القائمة على “الإعلام العملياتي”، التي تهدف إلى بثّ التحذيرات قبل الضربات الجوية ونشر الخرائط الميدانية كدليل على التزام الجيش بالقانون الدولي.
غير أنّ تلك السياسة، التي مثّلت أحد محاور الدفاع الإعلامي الإسرائيلي، قوبلت بشكوك واسعة في الخارج، خاصة مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين في غزة وجنوب لبنان، ما جعل رسائل أدرعي تُقرأ غالبًا كجزء من التبرير أكثر من كونها التزامًا بالشفافية.
رحيل أدرعي في هذا التوقيت يوحي بأنّ المؤسسة العسكرية بصدد مراجعة أدواتها الإعلامية، خصوصًا بعد الانتقادات التي طالت أدائها في المعارك الأخيرة، وتراجع قدرتها على كسب ثقة الرأي العام الدولي والعربي.
من سيخلفه؟.. اختبار صعب في زمن الأزمات
مع مغادرة أدرعي، يواجه الجيش الإسرائيلي معضلة البحث عن خليفة يمتلك قدرات لغوية وإعلامية مماثلة تمكّنه من التواصل مع الجمهور العربي.
وتشير التقديرات إلى أنّ عدة ضباط يخضعون حاليًا لاختبارات أداء أمام الكاميرات، في محاولة للعثور على “صوت جديد” يمثّل المؤسسة العسكرية في ملفات الشرق الأوسط الحسّاسة.
لكن المهمة تبدو صعبة، فخلفية أدرعي الطويلة وعلاقته المباشرة بملفات العمليات جعلتاه أكثر من مجرّد ناطق رسمي؛ بل جزءًا من هوية إعلامية استخدمتها إسرائيل للتأثير في خصومها ونقل رسائلها الدعائية.

