شهدت جماعة الإخوان الإرهابية خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في مظاهر الانقسام الفكري والتنظيمي بين صفوفها، خصوصًا بين الأجيال الشابة التي بدأت تتبنى أفكارًا أكثر تطرفًا وانغلاقًا من الخطاب الكلاسيكي للجماعة.
وقالت مصادر إن هذه التحولات برزت بوضوح بعد عام 2013، حيث باتت تشكل ما يشبه الانفجار الداخلي في البنية الفكرية والتنظيمية للإخوان، إذ تحول بعض الشباب من دعوة الإصلاح إلى نزعة التكفير والتشدد، ما يطرح تساؤلات عميقة حول جذور هذا الانحراف ومساراته التاريخية.
ما هي الجذور الفكرية لانحراف جماعة الإخوان؟
تعود جذور الانحراف الفكري داخل الإخوان الإرهابية إلى أربعة عناصر رئيسية، منها الخلط بين الدعوة والسياسة، إذ لم تستطع الجماعة الفصل بين العمل الدعوي والاجتماعي من جهة، والعمل السياسي والصراع على السلطة من جهة أخرى. هذا التداخل خلق بيئة خصبة لظهور خطاب يبرر كل الوسائل للوصول إلى التمكين، بما في ذلك التكفير والتبرير للعنف وسوء فهم مفهوم الحاكمية الذي طرحه سيد قطب كأصل ديني، بينما هو في جوهره تأويل سياسي لمفهوم الحكم بالشريعة، فقد تحول المفهوم من دعوة إلى إصلاح القوانين إلى أداة لتكفير الأنظمة والمجتمعات.
كما أن البيئة المغلقة للتنظيم، التي اعتمدت عليها الإخوان في نظام الأسر السرية التي تُربي الأعضاء على الولاء المطلق للجماعة قبل الأمة، جعلت بعض الشباب ينظر إلى التنظيم كجماعة المؤمنين مقابل مجتمع جاهلي، وهي الفكرة التي تسللت ببطء من كتابات قطب إلى أدبيات التنظيم الداخلي.
تصدع التنظيم
إن الشرخ الأكبر داخل جماعة الإخوان المسلمين حدث بين القيادة التاريخية في الخارج “مكتب لندن” والقيادة الميدانية في الداخل، فبينما حاولت القيادات التقليدية التمسك بخطاب “السلمية” والعودة إلى المشاركة السياسية، اتهمها الجيل الشاب بالضعف والخيانة، وبدأ يتبنى خطابًا يقوم على تكفير الأنظمة والمجتمعات باعتبارها ركنت إلى الطغاة، وتطور هذا الخطاب إلى ما يشبه المراجعة المعكوسة، فبدلًا من أن يتراجع الشباب عن الفكر التكفيري، بدأوا يراجعون فكر حسن البنا نفسه، معتبرين أنه كان لينًا في مواجهة الحكام، وأن الحل الحقيقي هو في الصدام والمواجهة المسلحة.
وقالت مصادر إن رحلة الإخوان كشفت أن التكفير لم يكن حادثًا عارضًا، بل نتاج تربية فكرية وتنظيمية سمحت بتحول الدعوة إلى سلطة، والمظلومية إلى عنف، ومع كل أزمة جديدة تتجدد الأسئلة حول قدرة الجماعة على إصلاح ذاتها، أم أن الانحراف الفكري بلغ نقطة اللاعودة.

