تعيش ليبيا مرحلة حساسة تتجدد فيها محاولات البعثة الأممية لإطلاق مسار حواري جديد، يعيد الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تقود إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ تعثرها في عام 2021.
وكشفت مصادر أن المبعوثة الأممية الخاصة إلى ليبيا، هانا تيتيه، تستعد لإطلاق حوار هيكلي واسع النطاق، يندرج ضمن خريطة الطريق الأممية التي أعلنتها سابقًا، بهدف إعادة ترتيب المشهد السياسي المتعثر وبناء توافق وطني حقيقي.
ما هي خريطة الطريق الجديدة؟
وأكدت المصادر أن خريطة الطريق التي تعمل تيتيه على تفعيلها تسعى إلى تجاوز الانقسامات العميقة بين الأجسام السياسية القائمة، عبر إطلاق حوار وطني شامل يضم مختلف المكونات الليبية.
وأوضحت المصادر أن هذا الحوار لن يكون مجرد مبادرة معزولة، بل جزءًا من منظومة متكاملة تهدف إلى الوصول إلى قاعدة دستورية توافقية تفتح الباب أمام الانتخابات.
وتوقعت المصادر أن تشارك فيه الأحزاب السياسية، والقبائل والمجالس البلدية، والمنظمات المدنية، إضافة إلى ممثلين عن المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، في خطوة تهدف إلى ضمان أوسع تمثيل اجتماعي ممكن.
تعددية المكونات الليبية
وترى المصادر أن أبرز ما يميز هذا الحوار هو التعددية الواسعة في الشرائح المشاركة، فبحسب المصادر سيتم ضم أكبر قدر من الشرائح الليبية، مؤكده أن التجارب السابقة فشلت لأن المشاركين لم يجدوا ترجمة فعلية لمخرجاتهم، حيث أن تيتيه أمام تحدٍّ كبير يتمثل في تحويل التوصيات إلى قرارات قابلة للتنفيذ، لا مجرد بيانات سياسية.
إعادة هندسة للحوار
وأشارت المصادر إلى أن ما يجري التحضير له يمثل محاولة لإعادة هندسة الحوار الوطني على أسس أكثر مهنية وشمولًا، كما أن الحوار لن يقتصر على السياسيين والعسكريين كما جرت العادة، بل سيضم أيضًا خبراء متخصصين في الاقتصاد والقانون والحوكمة والإدارة العامة، لضمان إنتاج رؤى فنية دقيقة تعزز فرص بناء حلول واقعية.
وكشفت المصادر أن الجانب الأمني سيُناقش من قبل خبراء وباحثين في الشؤون الدفاعية والأمنية، وليس من طرف قادة ميدانيين، في محاولة لتجنب تضارب المصالح أو هيمنة الأطراف المسلحة على طاولة الحوار، وهذه المقاربة الجديدة تعكس، بحسب رأيه، تحولًا منهجيًا في طريقة إدارة المسارات الحوارية داخل ليبيا.
المسارات السياسية
يذكر أن ليبيا شهدت منذ عام 2014 مسارات حوارية عدة تحت رعاية الأمم المتحدة، إلا أن معظمها تعثر بسبب تداخل المسارات السياسية والفنية.
حيث خاض السياسيون في ملفات تقنية معقدة لا يمتلكون أدواتها، بينما انجرف الفنيون إلى صراعات سياسية أفقدتهم الحياد ونتيجة لذلك، وتحولت تلك الحوارات إلى منصات خطابية مليئة بالشعارات، لكنها فقيرة في النتائج القابلة للتطبيق، ورغم الحماس الذي يرافق الحديث عن الحوار الهيكلي، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن قدرته على تحقيق اختراق فعلي.
وحذرت المصادر من أن يتحول الحوار إلى عملية شكلية تفتقر إلى رؤية واضحة أو مراحل زمنية محددة، كما أن ضعف الكفاءات المشاركة قد يحد من قدرته على تقديم حلول واقعية، إذا طغى البعد الرمزي على حساب الكفاءة والخبرة، والتحدي الأكبر، وفق ما ذكرته المصادر يتمثل في غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأطراف المتصارعة، إذ إن نجاح أي مسار حواري لن يتحقق دون ضمانات تنفيذية واضحة تُحوّل التفاهمات إلى إجراءات ملموسة على الأرض.

