تُعدّ جماعة الإخوان الإرهابية في ألمانيا واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في مشهد الإسلام السياسي الأوروبي؛ فبينما تتعامل بعض الدول مثل النمسا وفرنسا مع الجماعة بسياسات حظر حاسمة، ما زالت برلين تتبع نهجًا أكثر حذرًا، قائمًا على المراقبة الدقيقة والقيود القانونية بدلًا من المنع الكامل.
ويرجع المراقبون هذا التردد إلى طبيعة النظام الدستوري الألماني، الذي يمنح هامشًا واسعًا لحرية التنظيم والعمل الأهلي، لكنه في الوقت نفسه يفرض قيودًا شديدة على قرارات الحظر، ما لم تتوافر أدلة مادية على ممارسة العنف أو التحريض عليه.
اختراق المجتمع عبر واجهات متعددة
تعمل الجماعة الإرهابية في ألمانيا وفق استراتيجية “الانتشار الهادئ”، من خلال واجهات دينية وثقافية وخيرية تبدو قانونية ومندمجة في المجتمع، لكنها في جوهرها تعيد إنتاج خطاب التنظيم الأم المؤسس في مصر.
ووفق تقارير أمنية أوروبية، يتوزع نفوذ الإخوان عبر شبكة من الجمعيات والمراكز الإسلامية المنتشرة في ولايات مثل شمال الراين-وستفاليا وبافاريا، مما يجعل من الصعب قانونيًا تحديد كيان واحد يمكن حظره.
كما نجحت الجماعة في بناء تحالفات قوية مع منظمات مثل “التجمع الإسلامي في ألمانيا” و”منظمة الجالية المسلمة”، لتكريس نفوذها داخل المساجد والمؤسسات التعليمية، وتوجيه الخطاب الديني بما يخدم أهدافها السياسية بعيدة المدى.
معوقات الحظر.. بين القانون والسياسة
بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تواجه السلطات الألمانية عدة عقبات أمام حظر الإخوان؛ أولها أن التنظيم لا يرفع شعارات العنف علنًا، بل يقدم نفسه كـ”شريك في الحوار المجتمعي”، مما يصعّب إثبات الخطر المباشر.
أما ثاني المعوقات فهو أن المحاكم الألمانية لا تعتمد على المعلومات الاستخباراتية وحدها كأدلة، بل تتطلب وثائق رسمية أو تحريضًا علنيًا واضحًا، ما يطيل الإجراءات ويمنح التنظيم مساحة للتحرك القانوني.
وثالثها البعد السياسي، إذ تخشى بعض الأحزاب أن يؤدي الحظر الكامل إلى إثارة جدل حول حرية المعتقد، أو يدفع نحو صعود تيارات أكثر تطرفًا، لذلك تفضل الحكومة خيار المراقبة والتجفيف المالي على الصدام المباشر.
ويرى باحثون أوروبيون أن كبح نفوذ الجماعة لا يتحقق بالقرارات المفاجئة، بل من خلال استراتيجية متكاملة تشمل توسيع البحث الأكاديمي لرصد شبكات الإخوان المالية والتنظيمية، ومراجعة التمويلات الخيرية والدينية لضمان الشفافية ومراقبة الدعم الأجنبي، وأخيرًا إعادة هيكلة تمثيل الجاليات المسلمة عبر دعم منظمات معتدلة تعلن التزامها بالقيم الديمقراطية.
حظر مؤجل.. لكنه قادم
ورغم بطء الإجراءات، تشير مصادر أمنية إلى أن الموقف الألماني تجاه الإخوان يسير نحو مزيد من التشدد، خاصة بعد تصاعد القلق من تأثيرهم على الأجيال الجديدة من أبناء الجاليات المسلمة.
ومع استمرار الضغوط من الأحزاب اليمينية ووسائل الإعلام، قد تجد برلين نفسها مضطرة خلال السنوات المقبلة إلى الانتقال من مرحلة الرقابة إلى الحظر الكامل، في مواجهة تنظيم وُصف بأنه الأخطر والأكثر نفوذًا في أوروبا.